للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوَصْفُ يَنطَبِق على فِرعونَ، فإنه مُسرِف مُتَجاوِز للحَدِّ، كذَّاب، مُدَّعٍ ما ليس له، يَقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: ٢٤] , وكذَب في ذلك؛ فهو مُسرِف كذّاب؛ كذلك أيضًا في مَقام المُجادَلة والتَّنزُّل تَنطَبِق على موسى لو كان كاذِبًا؛ فإنه يَكون مُسرِفًا مُتجاوِزًا للحَدِّ، وادِّعائه الرِّسالة وهو كاذِب، وكذلك كَذَّاب لأنه ادَّعى ما ليس صادِقًا فيه.

وعلى كل حال: فالجُمْلة هنا صالحِة لأن تَكون مُنطَبِقة على فِرعونَ، وهي مُنطَبِقة على الحَقيقة، أو على موسى من بابِ التَّنزُّل مع الخصْم.

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: أنه يَنبَغي العِناية بمَضمون القِصَّة، دون عَيْن مَن وقَعَت عليه؛ لقوله: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ} وإلَّا فنحن نَعلَم أنَّ الله يَعلَم مَن هذا الرجُلُ، ويَعلَم اسمه ونَسَبه، وكل شيء يَتَعلَّق به، لكنَّ الله تعالى ذكْره إبهامًا، إشارة إلى أن المهمَّ مَضمون القِصَّة دون عين مَن وقَعَت عليه، إلَّا إذا كان في تَعْيينه مَصلَحة، فالمَصلَحة ذِكْره وتَعْيينه.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنه قد يَكون من صُلْب المُعادِين مَن هو من الأَوْلياء؛ لقوله هنا: {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [غافر: ٢٨] , سواء قُلْنا: من قَرابته، أو من أَتْباعه على دِينه؛ فإنه يَدُلُّ على أن الله على كل شيء قَدير، وأنه قد يُقيِّض أو يُهيِّئ الإيمان لمَن كان بين قَوْم مُنغَمِسين في الكُفْر.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: جَواز إخفاء الإيمان؛ إذا خاف الإنسان على نفسه؛ لقوله: {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر: ٢٨] , ولكن إذا كان الإنسان لا يَستَطيع أن يَعيش مُؤمِنًا إلَّا

<<  <   >  >>