فيَشرَئِبُّون وَيطَّلِعون، فيُقال لهم: هل تَعرِفون هذا؟ فيَقولون: نعَمْ هذا الموتُ، فيُذبَح أمامَهم، ويُقال: يا أَهْل الجَنَّة، خُلودٌ ولا موتٌ ويا أهل النار خُلودٌ ولا موتُ".
إِذَنْ: هذا القَرارُ ما دام ليس فيه انتِقال عن هذه الدارِ فهي دار القَرارُ.
إذا كان هي دارَ القَرار والدنيا مَتاع، فالأولى أن يَعمَل له هي الآخرة، لأنها دار القَرار، أمَّا هذه فهي دار عُبور دار مَتاع "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرَ سَبِيلٍ".
من فوائدِ الآيتين الكريمتين:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: أوَّلًا تَلطُّف هذا الداعِي، هذا الرجُلُ المُؤمِن الذي يَدعو إلى الله؛ لقوله:{يَاقَوْمِ} فإن هذا لا شَكَّ من أَساليب التَّلطُّف.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: قُوَّة جَأْش هذا المُؤمِنِ؛ حيث كان رجُلًا واحِدًا يَقول لهَؤلاءِ الجَماعة:{اتَّبِعُونِ} وهذا -كما قُلنا في التفسير- فِعْل أَمْر.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنه يَنبَغي للداعِية إذا دعا إلى شيء أن يُبيِّن ما يَكون به التَّرْغيب؛ أي: تَرْغيب المَدعوِّ؛ حتى يَنشَط ويَفعَل؛ لقوله:{أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر: ٣٨].
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: الإشارة إلى كَذِب فِرعونَ حين قال لقَوْمه: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر: ٢٩]، ففَرْق بين قول فِرعونَ وقولِ هذا المُؤمِنِ، قول فِرعونَ كذِب، وقول هذا الرجُلِ حَقٌّ لا شَكَّ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن السُّبُل تَختَلِف: سُبُل ضَلال، وسُبُل غَيٍّ، وسُبُل رَشاد، فالسَّبيل المُوصِل إلى الله هذا سَبيل الرَّشاد، والسُّبُل المُتفرِّقة هذه سُبُل ضَلال،