للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: {وَلَا الْمُسِيءُ} يَعنِي: فاعِل السَّيِّئات، والسَّيِّئات هي إمَّا تَفريط أو إفراط؛ أي: إمَّا تَفريط بالنَّقْص والقُصور وإمَّا إفراط بالزِّيادة، وكِلاهما إساءة.

ثُم قال عَزَّ وَجَلَّ: {قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ} قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [يَتَّعِظون؛ بالياء والتاء؛ أي: تَذكُّرُهم قليلٌ جِدًّا] قوله: {تَتَذَكَّرُونَ}؛ أي: يَتَّعِظون وفيها قِراءَتان: "يَتَذَكَّرُونَ" و {تَتَذَكَّرُونَ}، وكِلاهما صَحيحتان سَبْعيتان.

ثُمَّ أَشار المفَسِّر إلى إعراب هذا التَّرْكيبِ، وهو كَثير في القُرآن، فقال رَحِمَهُ اللهُ: [أي: تَذكُّرهم قَليلٌ جِدًّا] وعلى هذا تَكون (ما) مَصدَرية، أي: تَذكُّرهم تَذكُّرٌ قَليلٌ، ولكن الذي يَظهَر أن {قَلِيلًا} صِفة لمَوْصوف محَذوف مَفعول مُطلَق؛ أي: يَتَذكَّرون تَذكُّرًا قليلًا و {مَا} هذه زائِدة للتَّوْكيد، تَوْكيد القِلَّة؛ يَعنِي: قَليلًا قَليلًا، وعلى هذا فتكون الجُمْلة مُركَّبة من فِعْل وفاعِل ومن مَفعول مُطلَق الذي هو (قَليلًا)؛ لأنه صِفة لمَصدَر مَحذوف، ومن (ما) الزائِدةِ للتَّوْكيد.

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: ضَرْب الأَمْثال، وهو إلحاق المَعقول بالمَحْسوس، وجهُ ذلك أن انتِفاء الاستِواء في الأعمى والبصير أَمْر مَعلوم بالحِسِّ، وانتِفاء استِواء الذين آمَنوا وعمِلوا الصالحِاتِ والمُسيءِ أَمْر مَعلوم بالعَقْل.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنه يَنبَغي لمُعلِّم الناس أن يَربِط المَعقولات بالمَحْسوسات؛ لأن ذلك أَقرَبُ إلى الفَهْم وأَدعَى إلى التَّصديق؛ إذ إن المَحسوس لا يُنكَر، لكن المَعقول قد يُكابِر فيه مَن يُكابِر ويُنكِره.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: نَفيُ المُساواة بين الأمور المُختَلِفة وهذا من قَواعِد الشريعة أنها

<<  <   >  >>