للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا الشُّكْر بالقَلْب فهو أن تَعتَرِف بقلبك أن كل نِعْمة بك فإنها من الله، كما قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ} [النحل: ٥٣]، وأكبَرُ النِّعَم نِعَم الدِّين، ثُم العقل، ثُم تَتلوها النِّعَم شيئًا فشيئًا بحَسب حاجتها والضرورة إليها. وأمَّا باليد يَعنِي: بالجَوارِح اليد أو الرِّجْل أو السَّمْع أو البصَر، فاستِعْمال هذه في طاعة الله، شُكْر الجوارِح أن تَستَعمِلها لطاعة الله، اللِّسان كذلك، شُكْر الله باللِّسان أن تَعتَرِف بلِسانك بأن ما بك من نِعْمة فمن الله، وأن تُحدِّث بنِعْمته عليك، لا فخرًا واختِيالًا، ولكن افتِقارًا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ واعتِرافًا بفَضْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لقوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: ١١]، ثُم تَستَعمِل هذا اللسانَ لطاعة المُنعِم.

إِذَنْ: صار الشُّكْر حقيقةً هو الدِّين كله: القَلْب، واللِّسان، والجوارح، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} ثُم إن الشُّكْر يَتبَعَّض، قد يَشكُر الإنسان ربَّه على نِعْمة من النِّعَم دون نِعْمة أخرى، قد يُنعِم الله عليه بالمال فيَشكُر، ويُنفِق في سبيل الله، ويُنعِم الله عليه بالعِلْم فيَكتُم، وقد يُنعِم الله عليه بالعِلْم فيَنشُر العِلْم، وبالمال فيَبخَل، فالشُّكْر يَتَنوَّع كما أن الكُفْر يَتَنوَّع.

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: كَمال قُدْرة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بإيجاد اللَّيْل والنهار، فإن هذا من عَظيم قُدْرته جَلَّ وَعَلَا، هل يَستَطيع البشَر إذا طلَعَت الشَّمْس أن يَرُدُّوها فتَغرُب، وإذا غابت أن يُرجِعوها فتَرجِع؟ أبَدًا، ولِهَذا قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} فأَقوُل: الليل والنَّهار الذي جعَله الله

<<  <   >  >>