للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للعِباد لا يُمكِن لأحَد أن يُغيّرَه إطلاقًا. ثُم إذا نظَرنا أيضًا إلى هذا الليلِ والنَّهار وتُعاقِبه ووُلوجه بعضه ببعض فهو آية أخرى، أحيائا يَزيد الليل، وأحيانًا يَزيد النهار، مَن يَستَطيع أن يَفعَل ذلك إلَّا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: تَعليل أحكام الله القَدَرية، كما هو ثابِت في الأحكام الشرعية يَعنِي: أن أحكام الله الكَوْنية لا يُمكِن أن تَكون إلَّا لحِكْمة، يُؤخَذ ذلك من قوله: {لِتَسْكُنُوا} واللَّام قُلت لكم: إنها للتَّعليل. إِذَنْ جعَل الله ذلك لنَسكُن.

ذكَرْنا أن أحكام الله الكونية مُعلَّلة كأحكامه الشرعية، لكن هل يَلزَم من تَعليلها أن نَعلَم بالعِلَّة؟ لا يَلزَم، إن فتَح الله علينا ما فتَحَ من ذلك فهذا خَيْر منه وفَضْل، وإن حُرِمنا ذلك بذُنوبنا فنحن المُخطِئُون، وما من شيء إلَّا وله حِكْمة.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: بَيان مِنَّة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى بالليل والنهار؛ حيث جعَل الليل سكَنًا وجعَل النهار مُبصِرًا، يُؤخَذ من قوله: {لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} لولا هذا ما سكَن الناس، ولهذا تَجِد الإنسان بطَبيعته إذا جاء الليل أَحَبَّ السُّكون، ولولا أنه في عَصْرنا هذا شاعَت الأنوار، وشاعَت الأضواء، وصار الليل كالنهار لوجَدْت لليل لذَّة عَظيمة، ونحن أَدْرَكنا ذلك، تَجِد لذَّة ومحَبَّة للسُّكون وسُكون قَلْب وسُكون بدَن وسُكون نَفْس، ثُم إذا طلَع الفجر وإذا هو كالرُّطَب يَأتِي بعدَ التَّمْر نَفرَح به، جاءَ النهار.

الآنَ ما كأنَّ هناك ليلًا ولا نهارًا، ولذلك لا نَجِد اللَّذَّة التي كُنَّا نَعرِفها من قبلُ، ولعل منكم مَن أَدرَك ذلك، واخرُجوا إلى البادِية، وخُذوا لكم أُسبوعًا، ابعُدوا عن الأنوار تَجِدوا هذا، وهذا من فَضْل الله عَزَّ وَجَلَّ أن جعَل الليل للسكَن والنهار للعمَل.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إن الله ذو فَضْل على الناس، يُؤخَذ ذلك من قوله: {إِنَّ اللَّهَ

<<  <   >  >>