للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأن يَعود إلى الرسول، فإن عاد إلى الله فِلأنَّه الأصل، وإن عاد إلى الرسول فِلأَنه المُبلِّغ المُباشِر للإنذار.

وقوله - رَحِمَهُ اللهُ -: [الناس] هذا تَقدير للمَفعول الأوَّل الذي هو مَفعول (يُنذِر)؛ لأنَّ (يُنذِر) تَنصِب مَفعولين ليس أَصلُهما المُبتدَأَ والخبَرَ، المَفعول الأَوَّل يَكون مَحذوفًا، أو المَفعول الثاني يَكون مَحذوفًا، قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ} [غافر: ١٨] هذا مَوْجود فيه المَفعولان جميعًا، {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ} [إبراهيم: ٤٤] كذلك المَفعولان جميعًا، وقد يُحذَف أحدُهما إمَّا الأَوَّل وإمَّا الثاني؛ لدَلالة السِّياق عليه.

قال المفَسِّر - رَحِمَهُ اللهُ -: [{لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} بحَذْف الياء وإثباتها] أي: أنَّ فيها قِراءَتَيْن "التَّلاقِى" بالياء، و {التَّلَاقِ} بحَذْف الياء، أمَّا إثبات الياء فِلأنَّه الأصل، وأمَّا حَذْف الياء فلِلتَّخفيف، مثل قوله تعالى: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: ٩] أصلُها المُتَعالِي، لكن حُذِفت الياء للتَّخفيف، فهنا التَّلاقِ أَصلُها التَّلاقِي وحُذِفت الياء للتَّخفيف، ويوم التَّلاقِ هو يوم القِيامة، وعَلَّل المفَسِّر ذلك بقوله: [لتَلاقِي أهل السماء والأرض، والعابِد والمَعبود، والظالِم والمَظلوم فيه] أي: في ذلك اليومِ، ولو قلنا بمَعنى أعَمَّ: لتَلاقِي الخَلائِق في ذلك اليومِ؛ لأنَّ كل شيء يُلاقيه الآخر حتى الوحوش {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥)} [التكوير: ٥] فسُمِّي يوم التَّلاقِي؛ لتَلاقِي الخَلْق فيه، يَحشُر الله - عَزَّ وَجَلَّ - الخلائِق كلَّها في ذلك اليومِ فيَتَلاقَوْن.

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: إثبات عُلوِّ الله - عَزَّ وَجَلَّ - خِلافًا للمُفسِّر؛ لقوله: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} ونَقصِد بالعُلوِّ عُلوَّ الذات، أمَّا عُلوُّ الصِّفة فقَدْ أَقرَّ به المفَسِّر بقوله: [أي: عظيم الصِّفات] ففي هذه الآيةِ إثباتُ عُلوِّ الذات ذاتِ الله - عَزَّ وَجَلَّ؛ لقوله: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ}.

<<  <   >  >>