للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنه قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: ٣٥ - ٣٦].

ففَرَّق بين هذا وهذا، المُخرَجون مُؤمِنون، والبيت مُسلِم؛ لأن في البيت امرأةً كافِرةً، وهي امرأةُ لُوطٍ؛ فهي في ظاهِر الحال مُسلِمة، مُستَسلِمة؛ لأنها لا تُظْهِر أنها كافِرة، كما قال تعالى: {فَخَانَتَاهُمَا}، ولكن حينما أَراد الله عَزَّ وَجَلَّ أن يُنجِيَ مَن يُنجِي من قوم لوط أَنجَى المُؤمِنين فقَطْ، وأمَّا المَرْأة فتقِيَتْ مع قومها وهلَكَت.

فإن قال قائِل: ما الحِكْمة من بقاء زَوْجاتهم معَهم؟ أي: نوح عَلَيهِ السَّلام ولوط عَلَيهِ السَّلام، هل لم يَكونوا يَعلَمون ذلك؟

فالجَوابُ: ما دام أن الله تعالى يَقول: {فَخَانَتَاهُمَا}، وقال له: {إِلَّا امْرَأَتَكَ}، فهُمْ لم يَكونوا يَعلَمون، وهذه لأَجْل الاعتِبار بالنِّسبة لزَوْجات الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهذه السورة كلُّها نزَلت شِبْه مُعاتِبة لزوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم -: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: ٤] فالمَقصود بيانُ عِناية الله عَزَّ وَجَلَّ برَسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّكما إن تَظاهَرْتمُا عليه؛ فله أَولياءُ: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}.

وقوله تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} نَعوذُ بالله، {كَذَلِكَ} تقدمت قريبًا، وقُلْنا: مِثلُ هذا التَّرْكيبِ يَكون إعرابُه كالتالي: الكافُ اسمٌ بمَعنى مِثْل، وهي مَفعول مُطلَق للفِعْل الذي بعدها، العامِل فيها الفِعْل الذي بعدَها، و {يَطْبَعُ} هو الفِعْل العامِل، وعليه فنَقول: مِثْل هذا الطَّبعِ يَطبَع الله.

<<  <   >  >>