وقوله:{كَبُرَ مَقْتًا} هذه الجُمْلةُ خبَر المُبتَدَأ. وقوله:{كَبُرَ}؛ أي: عَظُمَ، وضُمَّت الباء حتى صار من باب فعُل؛ لأنه أُريد به التَّعجُّب، يَعنِي: ما أكبَرَ مَقتَهم عند الله! قال: {مَقْتًا} هذه تمَييز، تمَييز لـ {كَبُرَ} لأن كبُر المراد به الجِدال؛ يَعنِي كبُرَ جِدالهم مَقْتًا، فهي مُميِّزة للفاعِل المحذوف، بل الفاعِل المُستَتِر.
وقول المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{كَبُرَ} جِدالهُم {مَقْتًا}] الصواب أن يُقال: كبُرَ مَقْتهم مَقْتًا عند الله؛ لأن التَّمييز مُبيِّن للفاعِل المُستَتِر، وقوله:{مَقْتًا} المَقْت هو أشَدُّ البُغض.
وقوله:{عِنْدَ اللَّهِ} مُتعلِّق بـ {كَبُرَ}.
قوله:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا} يَعنِي: وكذلك المُؤمِنون يَكبُر مَقتُهم لهؤلاء المُجَادِلين في آيات الله بغير سُلْطان الذين يُريدون إِدْحاض الحَقِّ، وإظهار الباطِل.
وقوله:{وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا} إذا أُطلِق الإيمان فالمُراد به ما يَشمَل الإسلام، وإذا أُطلِق الإسلام فالمُراد به ما يَشمَل الإيمان؛ ولهذا لو سُئِلت وقيل لك: هل الإسلام والإيمان مُتَرادِفان بمَعنًى واحِدٍ؟ فقُلْ: هُما عند الإفراد مُتَرادِفان، وأمَّا عند الاقتِران فإنه يُفسَّر الإيمان بأعمال القُلوب، والإسلام بأعمال الجَوارِح؛ مثال ذلك قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات: ١٤] ففَرَّق بين الإيمان والإسلام؛ وبَيَّن أنَّ الإيمان لم يَدخُل في قلوبهم، ولكنه قريب الدّخول؛ لأنَّ (لمَّا) تُفيد القُرْب، وفي حديث جِبريلَ فَرَّق بين الإيمان والإسلام.