للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذلك لأن السُّلْطان كل ما يَكون به السُّلْطة، ويَختَلِف بحَسب السِّياق، فالإمام الأعظم يُسمَّى السُّلْطان؛ لأنه ذو سُلطة. والدليل يُسمَّى سُلْطانًا، لأن الآخِذَ به ذو سُلْطة.

وعلى هذا يَكون معنى قوله: {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} أي: بغَيْر دَليل. وهذا النَّعتُ أو الحالُ، لأن جُمْلة: {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} حال من فاعِل {يُجَادِلُونَ} هذا الوَصْفُ وَصْف لبَيان الواقِع، وليس وَصْفا مُقيَّدًا، والفَرْق: أننا لو قُلْنا: إنه وَصْف مُقيَّد صار الذين يُجادِلون بآيات الله لإِبْطالها أحيانًا يَكون معَهم سُلْطان، وأحيانًا لا يَكون معَهم سُلْطان، والواقِع أنه ليس لهم سُلْطان، والقيد المُبيِّن للواقِع ليس له مَفهوم، وهذا آتٍ في القُرآن كثيرًا، وإنَّما المَقصود به -أي: بالقَيْد المُبيِّن للواقِع- الاستِدْلال؛ يَعنِي: فكأنه تَعليلٌ للمَوْصوف.

وانظُرْ إلى قول الله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [المؤمنون: ١١٧] فقوله: {لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} مُبيِّن للواقِع وليس قيدًا؛ لأنه لا يُمكِن أن يَدعوَ أحدٌ مع الله إلهًا آخَرَ له فيه بُرهانٌ.

وكذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: ٢٤]، فإنَّ هذا لا يَعنِي أنه قد يَدْعونا لما لا يُحيِينا، بل هو لا يَدعونا إلَّا لما يُحْيينا، فيَكون هذا كالتَّعليل لمَوْصوفه الذي صار قيدًا فيه.

إِذَنْ: {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ} هذا نَقولُ: إنه وَصْف لبيان الحال والواقِع، وأنه لا سُلْطانَ لهم بذلك، وعلى هذا فيَكون كالتَّعليل لمَوْصوف، وأَعنِي بالوَصْف هنا ما يَشمَل الحال وغير الحال. وقوله: {أَتَاهُمْ} الجُملة صِفة لـ {سُلْطَانٍ}.

<<  <   >  >>