للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بها؛ ولهذا يَنبَغي للإنسان أن يَعرِف ما عِند الأقوام من الباطِل؛ ليَتمَكَّن من رَدِّه. أمَّا كونُه لا يَقرَأ الباطِل، وَيقول: أنا كل ما ورَدَ عليَّ من باطِل فعِندي قُدْرة على دِفاعه فهذا قد يُخذِّل الإنسان في مَكان يُحِبُّ أن يَنْتصِر فيه؛ فلا بُدَّ من أن يَعرِف الإنسان الباطِل من أَجْل أن يَرُدَّ عليه.

ولهذا نَرَى العُلَماء المُحقِّقين يَقرَؤُون كتُب المَناطِقة والفلاسِفة وغيرها؛ ثُم يَرُدُّون عليهم، وهذا إنما يَكون في رجُل رسَخت قدَمُه في العِلم، أمَّا رجُلٌ ابتَدَأ طالِبًا، فهذا لا نُشير عليه أن يَقرَأ كتُب أهل الضَّلال، وذلك لأنه ليس عنده مَنَعة، فيُخشَى أن يَتأثَّر بهذه الكتُبِ فيَضِلَّ؛ لكنَّ الراسِخ في العِلْم نَقول: اقرَأْ حتى تَعرِف كيف تَرُدُّ على هؤلاء.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن مَن جادَلَ بحَقٍّ فليس بمَذموم؛ لقوله: {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} إذ لو كان لهم سُلْطان لكانوا على حَقٍّ، لكن ليس لهم سُلْطان.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: إثبات المَقْت لله عزَّ وَجَلَّ وأنه يَتَفاضَل؛ فيَكون مَقتُه على شخصٍ أو طائِفة اكبَرَ من مَقْته على شخصٍ أو طائِفة آخَرين، يُؤخَذ من قوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} وهل هذا المَقتُ حَقيقة أو يُراد به لازِمه وهو العُقوبة؟

الجَوابُ: الأوَّلُ؛ هذا مَذهَب أهل السُّنَّة والجَماعة؛ أنهم يَقولون: كل ما وصَف الله به نفسه فهو على حقيقته؛ لكنه يَجِب أن نَعلَم أنه لا يُماثِل صِفاتِ المَخلوقين؛ لأن الله أَثبَتَ ونَفَى قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]، وهذه خُذْها جادَّة عِندك، سِرْ عليها في كل ما وَصَف الله به نَفْسه، لا تَقُل: هذا لا يُراد به ظاهِرُه. كل ما وصَفَ الله به نَفْسه فإنه يُراد به ظاهِرُه، لكن يُنزَّه عن مُماثَلة المَخلوقين.

<<  <   >  >>