للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِذَنِ: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَمقُت، ويُبغِض، وَيكرَه، ويُحِبُّ حَقًّا على حَقيقته، ولكنه لا يُماثِل صِفاتِ المَخْلوقين، وذهَبَ أَهْل التَّعْطيل الذين يَحكُمون على الله بعُقولهم، لا بكَلامه وكلام رسوله؛ ذهَبوا إلى أنَّ مِثْل هذه الأَوْصاف يَجِبُ وجوبًا أن تُؤَوَّل إلى لوازِمها، فيَقولون مثَلًا: المَقْت المُراد به الانتِقام والعُقوبة، وليس البُغض، أو الكَراهة، أو الأشَدَّ من ذلك.

فيُقال لهم: إذا فسَّرْتم ذلك بالعُقوبة ارتَكَبْتم محَظورَيْن:

المَحظور الأوَّل: إخراج كلام الله عن ظاهِره.

والمَحظور الثاني: إثبات مَعنًى لا يُراد به.

وهكذا كلُّ محُرِّف نَقول: إنه ارتَكَب مَحظورين: المحظور الأوَّل: إخراج الكَلام عن ظاهِره، وهذه جِناية لا شَكَّ؛ حيث سَلَب اللَّفْظ معناه. والثاني: إثبات مَعنًى لا يُراد به؛ أي: لا يُراد باللَّفْظ، وهذا عُدوان أيضًا. فكلُّ مُؤَوِّل فإنه يَرتَكِب هذين المَحظُورَيْن.

والعجَب: أنهم يُسمُّون أَنفُسهم أهل التَّأويل، والصواب أنهم أهل التَّحريف، لكن هم تَسمَّوْا بهذا الاسمِ تَلطيفًا لما هم عليه من الباطِل؛ لأنَّ التأويل يُراد به حَقٌّ، ويُراد به باطِل، إذا أوَّلْنا الكلام بما يُريده المُتكَلِّم به، فهذا حقٌّ؛ لكن بخِلافه هذا باطِل، وهذا هو الذي هم عليه، ولكن عدَلوا عن اسمِ التَّحريف إلى اسمِ التَّأويل.

وانظُرْ إلى دِقَّة عِبارة شيخ الإسلام ابن تَيميَّة رَحِمَهُ اللهُ في العَقيدة الواسِطية قال: "من غير تَحريف ولا تَعطيل" (١). ولم يَقُل: من غير تَأويل، مع أنَّ أكثَر الذين يَتكلَّمون


(١) العقيدة الواسطية (ص: ٥٧).

<<  <   >  >>