للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيقول للآخَرِ: أنت كعَصا موسى تَلقَف ما يَأفِكون. فهل يَصِحُّ هذا؟

فالجَوابُ: أنا أَرَى أنه حتَّى المُحدِّثون يَقولون هذا -نَسأَل الله لهم العَفوَ- لا يَنبَغي أن يَقولوا هكذا؛ لأنه يُخشَى أن تُستَعمَل استِهْزاءً، وإن كان المُحدِّثون لا يُريدون هذا إطلاقًا، فالأَوْلى أنْ يُقال: هذا الرَّجُلُ مِثل آية، وهذا الرجُل واسِع الاطِّلاع، وهذا الرجُلُ واسِع العِلْم، وما أَشبَه ذلك.

وكذلك أيضًا مَن يَقول: فُلان يَملِك عصا موسى السِّحرية. فهذا أيضًا لا يَجوز، هذا أشَرٌّ، لأنَّ قوله: عصا موسى السِّحْرية. يَعنِي: أنَّ ما جَاءَ به سِحْرٌ، وهذا خَطير.

وقد أَرسَل الله موسى بآياتِنا وسُلْطان مُبين، والسُّلْطان كل ما يَكون للإنسان به سُلْطة؛ أي: حُجَّة وقُوَّة، ويَختَلِف باختِلاف السِّياق؛ ، فالسُّلْطان في كل مَوْضِع بحَسَبه، فالسُّلطان بالنِّسبة للأَبِ مع أولاده في التأديب سُلْطان ضَرْب، والسُّلْطان فيمَن دُعُوا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ سُلْطان بيان، والسُّلْطان أيضًا فيمَن جُودِل سُلطان حُجَّة، وهو يَختَلِف باختِلاف المَواضِع.

المُهِمُّ: أنه ما كان فيه سُلْطة على الغير فهو سُلْطان.

وقوله: {مُبِينٍ} يُحتَمَل أن تَكون من اللَّازِم ويُحتَمَل أن تَكون من المُتعدِّي، وذلك أنَّ أبانَ الرُّباعيَّ يَكون لازِمًا ويَكون مُتعدِّيًا، فتَقول: أبنتُ له الحقَّ. وتَقول: أَبانَ الصُّبح؛ أي: بانَ وظهَر، فهي رُبَاعِيَّةٌ صَالِحَةٌ للتَّعَدِّي واللُّزوم.

فإن قال قائِل: كيف يَكون فِعلًا واحِدًا صالِحًا للتَّعدِّي واللُّزوم؟

قلنا: نعَم يَصْلُح، اللُّغة العربية واسِعة، فمثلًا: "رَجَعَ" فِعْل ماضٍ ثلاثيٌّ، يَكون لازِمًا وَيكون مُتعدِّيًا، قال تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ} [المنافقون: ٨] ,

<<  <   >  >>