للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو كذلك، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ} [الإسراء: ١٠١] إلى آخِره، فهو أُوتِي آياتٍ أَعظَمُها وأَشَدُّها وأبينُها حِسًّا آية العصا؛ فإنَّها من آياتِ الله الحِسِّيَّة العَجيبة الغَريبة، عصًا يَهُشُّ بها على غنَمه، وله فيها مَآرِبُ أخرى، ويَتوَكَّأ عليها، إذا ألقاها صارَت حيَّة عَظيمة تَلقَف كل ما عمِلوا، وإذا حمَلها عادت عَصًا، وإذا ضرَب بها الحجَر تَفجَّر ماءً.

هذه العَصا آية من آيات الله عَزَّ وجلَّ، تَأمَّلِ الآنَ وتَفكَّر مدَى كثرة العِصيِّ والحِبال التي أَلقاها السحَرة وتَنوُّعها، ثُم ألقى هذه العصا فصارت تَلقَف كل ما تَعثُر عليه، وأنا أَتعَجَّب أين البَطْن الذي يَسَعُ كلَّ هذه الأشياءِ، نعَمْ؛ لكن آيات الله تُبهِر العُقول، وإلَّا فتَقول: كيف أنَّها حَيَّة بمِقدار العَصا تَلقَف كلَّ ما أَفِكوا من الحِبال والعِصيِّ، أين تَذهَب؟ ! نَقول؛ لا تَسأَل أين تَذهَب، أنت صدِّق وآمِنْ بهذا، وكيف تَذهَب إلى الله عَزَّ وجلَّ، ولا مانِعَ من أن تَكون هذه الأشياءُ إذا مَضَغَتْهَا صارت الشيءَ الكبير شيئًا صغيرًا.

فائِدةٌ: التِّسْع الآيات التي أُرسِل بها موسى هي: العَصا، واليَد يُدخِلها في جَيْبه، والطُّوفان، والجَراد، والقُمَّل، والضَّفادِع، والدَّم، وانفِلاق البَحْر، والسِّنون ونَقْص من الثَّمَرات، وبعضُهم قال: ضرَب الحَجَر بالعَصا فيَتفجَّر.

أمَّا لبني إسرائيلَ فيَدخُل فَلْق البَحْر، وكذلك انفِجار الماء من الحَجَر، لكِنَّ هذه الثِّنتَين ليست لآل فِرْعَونَ، فآل فرعونَ آيتهم السِّنون ونَقْص من الثَّمَرات، بالإضافة إلى السَّبْع السابِقة.

فإن قال قائِل: يَستَخدِم بعضُ عُلماء الجرْح والتَّعديل إذا تَكلَّموا في رجُل يَقولون: هذا الرجُلُ كعصا مُوسى، تَلقَف ما يَأفِكون. وبعض الإِخْوان يَمزَح بها

<<  <   >  >>