للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زيَّنَ لفِرعونَ سوءَ عمَله، والذي زيَّنه الشيطان والنَّفْس الأمَّارة بالسوء.

وقد يُقال: والله عَز وجلَّ؛ لأن الله يُضِلُّ مَن يَشاء، كما قال الله تعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: ١٠٨]، فالله تعالى زيَّنه قَدَرًا، بمعنى أنه حجَب عنه الهُدَى، ثُم زَيَّن له الشيطان والنَّفْس الأَمَّارة بالسوء أن يَعمَل هذا العمَلَ.

وقوله: {سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ} السبيل هنا فيها (أل) التي للعَهْد الذِّهنيِّ، عن السبيل الذي هو سَبيل الهدى؛ ولهذا قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [طريق الهدى] وفيها قِراءتان "صَدَّ" [بفَتْح الصاد وضَمِّها] {وَصُدَّ} هذه بضَمِّ الصاد على أنها مَبنيَّة لما لم يُسمَّ فاعِله، أمَّا "صَدَّ" بفَتْح الصاد على أنها مَبنيَّة على ما سُمِّيَ فاعِله، ولكن هل هي مُتعدِّية أو لازِمة، هل مَعناه أنه صُدَّ بنفسه أو صَدَّ غيرَه؟ تَشمَل المَعنيَيْن؛ لأنها لفظ مشتَرَك صالِح للمَعنيَيْن جميعًا، والقاعِدة في التَّفسير أن كل لفظ يَصلُح لمَعنيَيْن لا يَتَنافِيان، فإنه يُحمَل عليهما جميعًا، إلَّا إذا كان في أحدهما ما يُرجِّحه فيَرجُح، فيُعمَل بما يَترَجَّح.

ثم قال الله تبارَكَ وَتَعَالى: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} ما كَيدُه إلَّا في تَباب، والكيد والمَكْر والخِداع وما أَشبَهَها كلُّها كلِمات مُتقارِبة، ومَعناها: أن يَتوصَّل الإنسان بالأسباب الخَفِيَّة إلى مَقصوده بخَصْمه، كل إنسان يَقصِد من خَصْمه أن يَكون مَغلوبًا، فيَتوصَّل إلى هذا بأسباب خَفيَّة لا يَعلَم بها الخَصْم للوُصول إلى هذا.

فِرعونُ كاد كيدًا في أن يَقول لهامانَ: ابْنِ لي صرحًا من أَجْل أن يَرقَى على هذا الصَّرْحِ، فإذا وصَل غايته نظَر أمام الناس ثُم نزَل، وقال: لم أَجِد ربَّ موسى. وهذا تمَويه، لا سِيَّما على عامة كآلِ فِرعونَ الذين قد بَهَرَهم هذا الظالِمُ الطاغِية، فكل شيء يَكون عِندهم حقيقة، لكن هل هذا الكَيْدُ يَنفَعه؟

<<  <   >  >>