للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الدُّنيا قد يُجازِي الله الإنسانَ في الدنيا؛ فيُعطيه بالحَسَنة حَسَناتٍ، ويُؤاخِذ الظالمِ بظُلْمه، وهذا واقِع كثيرًا، قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠]، وهذا يَدُلُّ على أن الإنسان قد يُجازَى في الدُّنيا على عمَله، لكن الجَزاء الأكمَل الأَوْفى يَكون يوم القِيامة.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن النَّفْس لا تُجازَى إلَّا بما كسَبت، ويَكون الكَسْب إمَّا بالقَوْل، وإمَّا بالعَمَل، أمَّا مجُرَّد النِّيَّة فليسَتْ كسبًا، أو مجُرَّد حديث النَّفْس فليس بكَسْب، فالكَسْب قول أو عمَل؛ لأنَّ الإنسان لم يَركَن إليه، ودليل ذلك قول النبيِّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "إِنَّ الله تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ" (١).

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: على قول بعض العُلماء: أن إهداء القُرَب لا يَصِحُّ، يَعنِي: لو عمِلْت عمَلًا صالِحًا وأَهدَيْته إلي غيرك فإنَّه لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الغير الذي أَهدَيْته له لم يَكسِبه، إلَّا ما دلَّت السُّنَّة عليه، فهو مُستَثنًى، وإلى هذا ذهَب كثير من العُلَماء أنَّه لا يُهدَى من القُرَب إلَّا ما جاءَت به السُّنَّة، وذهَب آخَرون إلى جَواز إهداء جَميع القُرَب، وقالوا: إن ما ورَدَت به السُّنَّة قضايا أعيان، إذا ثبَتَ الحُكْم فيها ثبَتَ في نَظيرها؛ لأنَّ الشريعة لا تُفرِّق بين مُتماثِلَيْن، وقد ورَدَت السُّنَّة بإجزاء العِبادات المالِية والبدَنية والمُركَّبة من مال وبدَن.

أمَّا العِبادات المالية: ففي قِصَّة الرجُل الذي قال: يا رَسولَ الله، إن أُمِّي افتُلِتَتْ نَفْسُها، وإنَّها لو تَكَلَّمَتْ لتَصَدَّقَتْ. افتُلِتَت يَعنِي: أُخِذت بَغْتة، وإنها لو تَكلَّمت


(١) أخرجه البخاري: كتاب الطلاق، باب الطلاق في الإغلاق والكره، رقم (٥٢٦٩)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>