للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا كان على سبيل العِبْرة فلا بأسَ به، على سَبيل العِبْرَة بما جَرَى لهم من الهلاك، لا العِبرة بما كان لهم من القُوَّة، وبِناءً على ذلك نَعرِفُ أنَّ الذين يَذْهَبُون الآنَ إلى ديار ثَمودَ للاطِّلاع على قُوَّتهم، والاعتِبار بصَنْعتهم على خطَأ عظيم؛ لأنهم لم يَسيروا في الأرض السير الذي أمَر الله به، بل ساروا في الأرض السير الذي نَهَى عنه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فقد قال النبيُّ عليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ المُعَذَّبينَ، إِلَّا وَأَنْتُمْ بَاكُونَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ" (١).

فَمَن الذي يَذهَب الآنَ إلى دِيار ثمَودَ، يَقِفُ يُشَاهِدُ آثارَهم وهو يَبكِي؟

الجواب: لا أحَدَ، إلَّا مَن هَداه الله عَزَّ وجلَّ وتَبيَّن له الحقُّ، وإلَّا فإنهم يَذهَبون يَتَفرَّجون، والعجَب أنَّ بعض الجُهَّال منا يَرَوْن أنَّ هذا من الآثار المُحتَرَمة، فيُقال: سُبحانَ الله! ! الآثار المُحتَرَمة! أيُّها الجُهَّال! بل هي الكِتاب والسُّنَّة، آثار الوَحْي، أمَّا آثار المُكذِّبين للرُّسُل فليسَتْ محُتَرَمة.

ثُم هل هي آثار آبائِكم وأجدادكم؟ ! آثار قوم فَنُوا وأَعقَبهم أناسٌ، ثم أناسٌ، ثُم قُرون كثيرة. لكن هذا من الجَهْل والتَّقليد الأعمى، الذي يَجعَل القوم يَتعَلَّقون بالآثار المادِّيَّة دون الآثار المَعنَوية.

وإن قال قائِل: هل العِبْرة الإنسان إذا دخَل في مَكان كل قَوْم أُهلِكوا، أم أن الكُفَّار الذين لم يَتِمَّ عَذابُهم كذلك؟


(١) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - الحِجر، رقم (٤٤١٩)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، رقم (٢٩٨٠)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>