للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجَوابُ: لا المُراد الذين أُهلِكوا.

والإنسان الذي ذهَب ليَأخُذ العِبْرة لا شَكَّ أنه سيَتَأثَّر، لكن أكثَر الناس - أو كثير من الناس- يَذهَبون ليَعتَبِروا بما عِندهم من القُوَّة، لا بأَخْذ الله لهم.

فإن قال قائِل: هل قُرَى قَوْم لُوط مِثل قُرى ثَمودَ وعادٍ في عدَم جَواز زِيارَتها؟

فالجوابُ: العُلَماء يَقولون: لا فَرْقَ، كل شيء تَذهَب ليَتبيَّن لك آثارُهم وقُوَّتُهم وتُعجَب بهذه القوَّةِ فهو لا يَجوز. أمَّا قول الله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: ١٣٧ - ١٣٨] , هذه حِكاية عن شيء واقِعٍ، كما قال الرَّسولُ- صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "لتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ" (١) هل مَعنى ذلك أنَّ الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يُفسِح لنا المَجال؟ أَخبَر عنه أنه واقِع أو سيَأْتي، كما أَخبَر عن المَرأة تَذهَب من صَنْعاءَ إلى حَضرَموت لا تَخشَى إلَّا الله (٢).

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ عاقِبة الذين كانوا من قَبْلهم عاقِبة سَيِّئة؛ لقوله: {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ} إلى قوله: {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ}.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ هَؤلاءِ الذين كانوا من قَبْلهم كانوا أشَدَّ مِنهم قُوَّة في الأبدان، وقُوَّة في الصناعة، وقُوَّة في الآثار، ومع هذا لم تمَنَعْهم قُوَّتهم هذه من أَخْذ الله لهم.


(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم (٣٤٥٦)، ومسلم: كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى، رقم (٢٦٦٩)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم (٣٥٩٥)، من حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه -، بلفظ: "لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله". وأخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم (٣٦١٢)، من حديث خباب بن الأرت - رضي الله عنه - , بلفظ: "والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه".

<<  <   >  >>