الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن قُوَّة الله سُبحانَهُ وَتَعَالَى فوقَ كلِّ قوَّة، فإنه قال:{كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} ومع ذلك أخَذَهم الله عَزَّ وَجلَّ ذلك؛ لأن الله تعالى إذا أَراد شيئًا قال له: كُنْ. فيَكون، لا يَحتاج إلى أَحَد يُساعِده، ولا يَحتاج إلى صُنْع قَنابِلَ أو مَدافِعَ، بل: كُن فيَكون، انظُروا إلى عاد افتَخَروا بقُوَّتهم، فأَهلَكهمُ الله تعالى بأَلطَف الأشياء سخَّر عليهم الرِّيح، ولم يُسخِّرْها لهم، بل سخَّرَها عليهم، والرِّيح من أَلطَف الأشياء، فدَمَّرَتهم {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}[الأحقاف: ٢٥] , حتى كانوا كأَعْجاز نَخْل خاوِية.
يَقولون: إن الرِّيح تَحمِل الواحد منهم حتَّى يَكون في عَنان السماء، ثُم تَرُدُّه إلى الأرض؛ فيَنقَلِبُ مُنحنيًا كأنَّه عَجُز نَخْل خاوِية، وأَعجاز النَّخيل إذا رأَيْتُموها تَجِدون النَّخْل قد تَقوَّست.
هؤلاء الذين كانوا أشِدَّاءَ أَقوياءَ يَقِفون على أقدامهم، أَصبَحوا كأنهم أَعجاز نَخْل خاوِية، والآية الثانية {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}[القمر: ٢٠].
وهذا فِرعونُ قال لقومه:{يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[الزخرف: ٥١] أَهلَكه الله بأن أَخرَجه من مِصرَ التي كان يَفتَخِر بها باختِياره، خرَج مخُتارًا، بل خرَج وكأنه غانِم، كأنه رابِح في المَعرَكة، ثُم أَهلَكه الله بجِنْس ما يَفتَخِرُ به، أَهلَكه بالماء، ليَتبَيَّن أنَّ القُوَّة قُوَّة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وأنَّ الله أشَدُّ من هَؤلاء قُوَّة.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ الله تعالى إذا أَراد بقَوْم سوءًا فلا مَرَدَّ له، لقوله:{وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ}[غافر: ٢١] , وقد بَيَّن الله ذلك صَريحًا في قوله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ}[الرعد: ١١] , لا يَقِي