قوله:{كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}(كيف) اسمُ استِفْهام، وهو في مَحَلِّ نَصْب على أنه خبَر (كان) مُقدَّم، و {عَاقِبَةُ} اسمُها، {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}؛ أي: مَآلهُم، ماذا كان مَآلهُم؟ سيَأتي ذِكْر المآل، لكن الله ذكَر حالهم قبل أن يَذكُر مَآلهم، قال:{كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً}{أَشَدَّ} من الشِّدَّة، وهي الصلابة والعِظَم.
و{مِنْهُمْ} يَقول المفَسِّر رَحِمهُ اللَّهُ: [وفي قِراءة "مِنْكُمْ"] فيَكون في هذا الْتِفاتٌ من الغيبة إلى الخِطاب، ومَعلوم أنَّ الخِطاب أشَدُّ وَقْعًا في النَّفس من الحديث بصِيغة الغيبة، يَعنِي إذا كُنتَ تُخَاطِبُ الشَّخص مُخَاطَبَة فهو أشَدُّ وقعًا في نفسه، ممَّا إذا كُنت تَتَحدَّث بصيغة الغيبة؛ ولهذا جاء قول الله تعالى:{عَبَسَ وَتَوَلَّى}[عبس: ١] بصيغة الغيبة، والعابِس والمُتولِّي الرَّسُول عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ولم يَقُل: عبَسْت وتوَلَّيت؛ لأن الخطاب أشَدُّ وَقْعًا من الغيبة. وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [وفي قِراءة: "مِنْكم"] اعلَمْ أنَّ اصطِلاح المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أنه إذا قال: في قِراءة. فهي سَبْعية، وإذا قالَ: وقُرِئ. فهي شاذَّة ليسَت سَبْعية.
قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ} من مَصانِعَ وقُصور] فهُمْ أَقوياء الأبدان، ولهم من الآثار في الأرض أكثَرُ مِمَّا عِند هؤلاء الذين كذَّبوا رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والشَّاهِدُ في هذا ظاهِر في دِيار ثَمودَ، فإن كل مَن شاهَدها تَبيَّن له كيف كانت قُوَّة القوم، وكذلك آثار عاد في الأَحْقاف، التي اطَّلَع عليها، وقال الله فيها: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: ٧ - ٨] قُوَّة عظيمة، حتى إنَّ عادًا قالوا:{مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} فماذا كانت حالهُم؟
قال تعالى:{فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ} قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَهلَكَهم] {بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ