للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبِهذا نَعرِف كيف نَسير بقُلوبنا في أخبار مَن سبَق، فصار مَصدَر التَّلقِّي في أخبار مَن سبَق، المَصدَر الأساسيُّ الأكيد هو الكِتاب والسُّنَّة، وأمَّا ما وقَع من أخبار بني إسرائيلَ، فعرَفنا أنه على ثلاثة أقسام.

وقوله: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} قال بعض المُعرِبين: إنَّ (في) هنا بمَعنَى (على)؛ لأنه لا يُمكِن السير في جوف الأرض، بِناءً على أنَّ (في) للظَّرفية، والظَّرْف محُيط بالمَظروف، كما إذا قُلت: الماء في الإناء؛ فإنَّ الإناء محُيط به، والماء في جَوْفه، ولكن رُبَّما يَقولُ قائِل: إنَّ هذا غير مُتعيِّن؛ لأن المُراد {فِي الْأَرْضِ} أي: في مَنَاكِب الأرض، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: ١٥] , وتكون الظَّرْفية هنا ظَرْفية الأجواء؛ أي: في جوِّ الأرض، في أجواء الأرض، والأجواء ظَرْف لمَن يَسير فيها.

قوله: {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} {فَيَنْظُرُوا} الفاء هنا قيل: إنَّها عاطِفَة، وعلى هذا فيكون السير مُنتَفِيًا، والنظَر أيضًا مُنتَفٍ، والتَّقديرُ على هذا القول: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} فَأَلَمْ يَنظُروا في كيف كان عاقِبة الذين كانوا من قَبْلهم، وقيل: إن الفاء للسَّبَبية؛ أي: فبسبَب سَيْرهم يَنظُروا كيف كانَ. والمَعنَيان مُتلازِمان؛ لأنهم إذا لم يَسيروا لم يَنظُروا، وإن ساروا نظَروا.

وقوله: {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ} هل النَّظَر هنا نظَرُ قَلْب وبَصيرة، أو نظَر عَيْن وبصَر؟

الجواب: يَنبَني على ما سبَقَ في السير، إن كان سَيْر قَلْب فالنَّظَر نظَرُ قلبٍ وبَصِيرَةٍ، وإنْ كانَ سَيرَ قَدَمٍ فالنَّظر نظَر عَيْن وبصَر. وقد قُلنا: إنَّ السَّيْر صالِح لهذا وهذا؛ فيَكون النظَر أيضًا صالِحًا لهذا وهذا.

<<  <   >  >>