الجوابُ: كِلاهما؛ فمَن لم يَتَيسَّر له أن يَسير بقدَمه فلْيَسِر بقَلْبه، ولكن طريق سَيره بقَلْبه أن يَقرَأ تاريخ الأمَم السَّابِقة، وحينئذٍ يَثبُت هذا التاريخُ بطريقين فقَطْ: الطريق الأوَّل: القُرآن. والطريق الثاني: السُّنَّة الصحيحة عن رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى قال فيمَن سبَقَ:{الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ}[إبراهيم: ٩] وإذا كان لا يَعلَمهم إلَّا الله؛ فإن مَصدَر التَّلقِّي لأخبارهم من عند الله، أو من رسوله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
أمَّا ما حدَّثَت به بنو إسرائيل عمَّن سبَقَ؛ فهذا يَنقسِم إلى ثلاثة أقسام:
القِسْم الأوَّل: ما شهِد شرْعُنَا به، أو ما شَهِدَ القُرآن والسُّنَّة به؛ فهذا مَقبول، لا لأنه خبَر بني إسرائيلَ، ولكن لأنَّ القُرآن والسُّنَّة شهِدت بصِدْقه.
القِسْم الثاني: ما شهِد القُرآن والسُّنَّة بكذِبه، فهذا مَرفوض، ولا يَجوز التَّحدُّث به إلَّا إذا أَراد الإنسانُ بَيان كذِبه وبُطْلانه.
القِسْم الثالِث: ما لم يَشهَد الوَحيُ بصِدْقه ولا كذِبه؛ أي: ما ليس في القُرآن ولا في السُّنة تَصديقه ولا تَكذيبه، فهذا قال فيه النَّبيُّ- صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "حَدِّثُوا عَنْ بَنى إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ"(١) فيَكون من الكلام الذي يُباح نَقْله، لكن لا فَائِدة منه؛ فلا يُشتَغَل به عمَّا هو أهَمُّ منه.
(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم (٣٤٦١)، من حديث عبد الله ين عمرو - رضي الله عنهما -.