للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالحاصِلُ: أن الأزف بمعنى القُرْب، فالآزِفة القريبة، وهو يوم القِيامة، قال الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: ٦٣]، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى: ١٧].

فهي قَريبة مَهما طال الوَقْت، لو تَبقَى الدنيا مَلايين الملايين من السِّنين فهي قَريبة، وإذا شِئْت أن يَتبَيَّن لك ذلك فانظُرْ ما تَستَقْبِله الآنَ، إذا أَرَدْت أن تَعرِف ذلك فانظُرْ إلى المُستَقبَل، المُستَقبَل تَنظُر إليه نظَر البَعيد فإذا به يَأتِي وبسُرعة، كأنه بَرْق خاطِف، هكذا مُستَقبَل الدنيا كلها قريب، فإن أَدرَكْته أَدرَكْته، وإن لم تُدرِكه قامَت قِيامتُك قبلَها، فقِيامتك قَريبة، وإن بَقِيت إلى القِيامة الكبرى فهي أيضًا قَريبة، إِذَنْ كلُّ آتٍ قريب، وكل ماضٍ بَعيد، الماضِي ولو كان قبلَ وَقْتك بساعة بَعيد؛ لأنه لا يُمكِن أن يَرجِع، والمُستَقبَل قريب.

إِذَنْ: سُمِّيَت القِيامة آزِفة لقُربها، ووجهُ قُرْبها - وإن كان بيننا وبينها ما لا يَعلَمه إلَّا الله من السِّنين - أن المُستَقبَل مهما بعُدَ قريب.

فإن قال قائِل: ما القَوْل في اليوم الذي كأَلْف سَنَة؟

فالجوابُ: قال الله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: ٤٧]، وقال: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة: ٥]، لكن يوم القِيامة لم يَرِد فيه إلَّا خَمْسون ألفَ سَنَة {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: ٤]، وفي الحَديث الصحيح في قِصَّة مانِع الزكاة (١): {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: ٤]، وعلى هذا فاليَوْمُ الذي عند رَبِّنا كأَلْف سَنَة لا نَدرِي ما هذا اليومُ، فهو يَوْم مَجهول لنا.


(١) أخرجه مسلم: كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، رقم (٩٨٧)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>