للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هنا: تَفسير لكلِمة {يَدْعُونَ}، وتَفسير للضَّمير الواو، وقِراءة؛ أمَّا القِراءة فذكَر المفَسِّر أن فيها قِراءَتَيْن: القِراءة الأُولى {يَدْعُونَ} [غافر: ٢٠] بالياء، والقِراءة الثانية: "تَدْعُونَ" بالتاء على سَبيل المُخاطَبة، وكِلاهما قِراءتان سَبْعيَّتان، وأمَّا {يَدْعُونَ} ففسَّرها بكلِمة [يَعبُدون]، والصواب: أن المُراد بها يَعبُدون ويَسأَلون؛ لأنهم هُمْ يَعبُدون الأصنام ويَسأَلونها، يَسأَلونها جَلْب المَنافِع ودَفْع المَضارِّ، ويَعبُدونها أيضًا بالرُّكوع والسُّجود والنُّذور وغير ذلك.

وأمَّا الواو ففَسَّرها المفَسِّر بكُفَّار مكَّةَ؛ فجعَل الضمير عائِدًا إلى كُفَّار مكَّةَ، وهنا نَسأَل: هل لا يُوجَد أحَدٌ يَعبُد الأصنام ويَدعو الأصنام إلَّا كُفَّار مكَّةَ؟ الجَوابُ: يُوجَد مِنهم ومِن غيرهم، وإذا كان كذَلِك فإن تَفسير العامِّ بالخاصِّ نَقْص في التَّفسير، فالتَّفسير المُطابِق للواو، أن تَكون عامَّة لكُلِّ مَن يَدعو من دون الله من كُفَّار مكَّةَ، أو كُفَّار المدينة، أو كُفَّار الطائِف، أو كُفَّار العِراق، أو كُفَّار الشام، أو كُفَّار هذه الأُمَّةِ، أو كُفَّار مَن قَبلَها، عامَّة، كل مَن يَدعو من دون الله فإنَّه يَدعو مَن لا يَقضِي بشيء.

فإن قال قائِل: في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} حمَلَها المفَسِّر على أهل مكَّةَ، وقد تقدَّم أيضًا أنَّ المُشرِكين دائِمًا يَحمِلها المفَسِّر على أهل مكَّةَ، رُبما أن السُّورة نزَلَت في مكَّةَ، ورُبما المفَسِّر حمَلها على هذا؟

فالجَوابُ: لكن لا يَصِحُّ هذا، فالعِبرة بعُموم اللَّفْظ لا بخُصوص السبب. هو له وجهة نظَر، وأقوَى من هذه الوِجهةِ قوله: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا} بعد الآية هذه، لكن نحن نَقولُ: العِبْرة بعُموم اللفظ، والسبَب لا يُخصِّص العامَّ، وإذا ذُكِر حُكْم يتعلق ببعض أفراد العامِّ، لا يَقتَضي تَخصيصه أيضًا. كما هي القاعِدة.

وقوله: {مِنْ دُونِهِ}؛ أي: من دون الله، والدُّونُ هنا بما سِوى؛ أي: مَا سِوى

<<  <   >  >>