لأنَّه لو كان الأمر كذلك لكان يَأتِي مُوسى ويَتَّصِل به؛ لأن كِليهما رَسولٌ.
القولُ الثاني: إنه يُوسُفُ وجَدُّه يُوسُفُ بنُ يَعقوبَ، يُوسفُ بنُ إبراهيمَ بنِ يُوسُفَ، وهذا أيضًا لا دَليلَ له، والصوابُ: أنَّ المُراد به يُوسُفُ بنُ يَعقوبَ، وأنه لم يُعَمَّر إلى زمَن موسى، وأنه مات في زمَنه، لكنه جاء أَسلافَه؛ لأن يُوسُف - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَه المارَّة الذين مَرُّوا بالبِئْر الذي أُلقِيَ فيها، وذهَبوا به إلى مِصرَ، والقِصَّة مَعروفة في سورة كامِلة.
وقوله:{بِالْبَيِّنَاتِ} البَيِّنات من بانَ يَبينُ إذا ظهَر، ومَعلوم أنها وَصْف لمَوْصوف محَذوف؛ وذلك لأنه يَجوز أن يُحذَف النَّعْت وأن يُحذَف المَنعوت إذا دَلَّ عليه دَليل؛ والمَوْصوف المَحذوف هنا تَقديرُه الآيات، كما يُعبَّر به في القُرآن كثيرًا بالآيات البَيِّنات، بـ:{آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}[البقرة: ٩٩]، وما أَشبَه ذلك.
وأمَّا قوله رَحِمَهُ اللهُ:[بالمُعْجِزات] فإن هذا تَعبير مُتأخِّر؛ لم يُعرَف في عَهْد السلَف، وهو تَعبير ناقِص؛ لأن كلِمة (مُعجِزة) تَشمَل ما يَفعَله السَّحَرة والمُشعوِذون من الأمور الخارِقة للعادة، فإنها تُعْجِز مَن ليس مِنهم، ولكنه إذا قيل: آية بمَعنى عَلامة، صَارَتْ أبينَ وأَوْضحَ وأَوفقَ لمُوافَقَتها للتَّعبير القُرآني، على أنه لا يُمكِن أن تَكون آية لرَسول إلَّا والناس يَعجِزون عنها؛ لأنهم لو كانوا يَستَطيعون أن يَأْتوا بمِثْلها لم تَكُن آية للنَّبيِّ، كل واحِد يَأتِي بها.
إِذَنْ: تَقدير الكَلام بالآيات البَيِّنات، ولكن حُذِف المَوْصوف لدَلالة السِّياق عليه، ومنه قوله تعالى:{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ}[سبأ: ١١] يَعنِي: أن اعمَلْ دُروعًا سابِغاتٍ.