للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقول المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: {مُسْرِفٌ} مُشرِك] ولا شَكَّ أنَّ الشِّرْك من الإسراف؛ لأنَّ الإسراف مَعناه: تَجاوُز الحدِّ، ومَن جعَل لله شَريكًا فقد تَجاوَز الحَدَّ بلا شكٍّ؛ لكن مَعنَى الآية أعَمُّ من المُشرِك؛ فالمُسرَف مَن تَجاوَز حدَّه -هذا المُسرِف- بإفراط أو تَفْريط؛ لكن الغالِب يَكون بالإفراط؛ لأنه مجُاوَزة الحَدِّ زِيادة، فالمُشرِك لا شَكَّ أنه مُسرِف بلا شَكٍّ، والمُستكبِر مُسرِف، والجاحِدُ مُسرِف، وهلُمَّ جَرًّا.

إِذَنْ: {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} يَنبَغي أن يُقال في تَفْسيرها: مَن هو مُجاوِز لحَدِّه؛ كالمُشرِك.

وقوله: {مُرْتَابٌ}؛ أي: شاكٌّ -نَسأَل الله أن يُعيذَنا وإيَّاكُم من الشَّكِّ- المُرتاب -والعِياذ بالله- الذي يَطمَئِنُّ للارتياب، لا يَهتَدِي يَبقَى على ضَلاله -والعِياذُ بالله- أمَّا إذا أَوْقَع الشَّيْطان في قَلْبك شكًّا ثُم حاوَلْت أَنْ تَنزِعه من قَلْبك، فإنَّ الله يُعينُك عليه ويَهديك، لكن البَلاء كل البَلاء أَنْ تَركَن إلى هذا الشَّكِّ، وأن لا تُنتَشَل منه؛ والدَّليل على هذا ما شَكاه الصحابة - رضي الله عنه - إلى رَسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا يَقَع في نُفوسهم، حتى قالوا: نَوَدُّ أن يَكون الواحِد مِنَّا حممًا؛ أي: فَحْمًا محُتَرِقًا، ولا نَتكَلَّم به؛ فأَخبَرهم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ ذلك لا يَضُرُّهم؛ لأنهم لا يَركَنون إلى ما حصَل، أو إلى ما وقَعَ في قُلوبهم (١).

ولهذا يَجِب أن تَكون شُجاعًا إذا أَلقَى الشَّيْطانُ في قَلْبك مثل هذه الأُمورِ فكُنْ شُجاعًا لا تَركَن، لا تَستَرسِل معها، كُنْ شُجاعًا، استَعمِل معه السلاح الذي أَعطاك إيَّاه مَن هو عالِمٌ به، ومَن عالِمٌ بإِصابته للعَدوِّ، وهو الرسولُ - صلى الله عليه وسلم -، وذلك بأَمْرين


(١) أخرجه الإمام أحمد (١/ ٣٤٠)، وأبو داود: كتاب الأدب، باب في رد الوسوسة، رقم (٥١١٢)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>