للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا النَّصرانيُّ اتَّبَع المُتَشابِه، وكذلك كل مُبطِل يَحتَجُّ بآية فإنه يَكون مِمَّن اتَّبَع المتشابِه، والله عَزَّ وَجَلَّ حَكيم جعَل في آياته الشَّرْعية وآياته الكَوْنية أيضًا ما يَكون مُتَشابِهًا؛ ابتِلاءً وامتِحانًا للذين آمَنوا والذين في قُلوبهم زَيْغ، الآنَ انظُرْ إلى القُرآن وانظُر إلى السُّنَّة تَجِد في بعض الأحاديث، وفي بعض الآيات ما ظاهِرُه التَّعارُض، أو في بعض الأحاديث أو في بعض الآيات ما ظاهِرُه باطِل مثَلًا، هذا إن سلَّمْنا، وأن ليس في القُرآن ولا في السُّنَّة الصحيحة ما ظاهِرُه باطِل إطلاقًا، لكن هذا من باب التَّنزُّل مع الخَصْم، نَقول هذا من بابِ الابتِلاء والامتِحان.

كذلك في الآياتِ الكَوْنية نَجِد أن الله تعالى يُصيب الناس بكَوارِثَ عَظيمةٍ تمَوت بها الأَنفُس، تُدمَّر بها البِلاد يُفسَد بها الحرْث والنَّسْل؛ حتى يَبلوَ العِباد {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: ٣١]، وانتَبِهْ لهذه النُّقْطةِ، وهي امتِحان الله تعالى للعِباد بما يَأتِي من الآيات الشَّرْعية والآيات الكَوْنية، إِذَنْ ردَدْنا على النَّصرانيِّ الذي ادَّعَى تَعدُّد الآلهة محُتَجًّا بمِثْل قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا ... } إلى آخِره.

وفي الآية إِشْكال، وهو أن الله تعالى ذَكَر أن من الناس مَن يَقتُلون الأنبياء بغَيْر حقٍّ، فأين النَّصْر في الحياة الدنيا لمَن قُتِل؟

والجوابُ من أَحَد وَجْهين:

أ- إمَّا أن يَكون المُراد بالنَّصْر نَصْر ما جاؤُوا به من الشَّرْع، وبيان أنه حَقٌّ، وهذا ثابِت لكل رَسول، وتَأْييد ما جاء به الرَّسولُ لا شَكَّ أنه نَصْر له، وحينَئِذٍ لا يُستَثْنى من الرُّسُل أحَدٌ إذا قُلْنا: إن المُراد بالنَّصْر نَصْر ما جاؤُوا به من الحقِّ.

ب- وإمَّا أن يُراد بـ {رُسُلَنَا} الذين أُمِروا بالجِهاد؛ لأن النَّصْر يَقتَضِي أن يَكون هناك جِهاد يَنتَصِر فيه أحَدُ الطرَفَيْن على الآخَر، فيَكون المُراد بالرُّسُل هنا

<<  <   >  >>