للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجَوابُ بصِفة عامَّة: أن ما ورَد عليك مِمَّا يَكون يوم القِيامة، أو من أَوْصاف يوم القِيامة مِمَّا ظاهِرُه التَّعارُض فاعلَمْ أنه لا تَعارُضَ فيه، سواءٌ كان ذلك في وَصْف اليوم، أو في وَصْف المَحشورين، أو في وَصْف العَذاب؛ فإنه لا يُمكِن أن يَكون فيه التَّعارُض أبَدًا؛ لأن اليوم طَويل مِقدارُه خَمْسون ألفَ سَنَةٍ، فيُمكِن أن تَتغيَّر فيه الأحوال، يَكون أوَّله للناس حالًا وآخِره للناس حالًا، وما أَشبَه ذلك.

فمَثَلًا قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}، هذا يَدُلُّ على أنهم في ذلك اليومِ سُكوت لا يُؤذَن لهم بأيِّ كلام فيَنتَهِزوا الفُرْصة بالاعتِذار، لكن في مَوقِف آخَرَ يَعتَذِرون ولكن لا يَنفَعهم الاعتِذار، وهذا أَوْلى من قول بعض العُلماء: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} لوِ اعتَذَروا؛ لأنه على هذا التَّقديرِ يَكون الكلام كلامًا فَرضيًّا لا واقِعيًّا لا يَنفَعهم لوِ اعتَذَروا.

فأيُّهما أَوْلى أن نَحمِل الكلام على أنه واقِع، أو على أنه مَفروض؟ الأوَّل؛ على أنه واقِع نحن نَقول: يَعتَذِرون في وَقْت ولا يَعتَذِرون في وَقْت آخَرَ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن الكافِرين مُستَحِقُّون للَعْنة الله، فهل يَعنِي: ذلك أنه يَجوز أن نَلعَن الكافِرين؟

الجَوابُ: أمَّا على سَبيل العُموم فنعَمْ لنا أن نَقولَ: لَعْنة الله على كل كافِر، وكان من قُنوت أبي هُرَيْرةَ - رضي الله عنه - أنه يَلعَن الكَفَرة في قُنوت الوَتْر (١): اللَّهُمَّ الْعَنِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ كَذَّبُوكَ وَكَذَّبُوا رَسُولَكَ. هذا لا بأسَ به، وهل نَلعَن نوعًا مُعيَّنًا من الكفَرة، كاليَهود والنَّصارى؟ نَقولُ: اللَّهُمَّ الْعَنِ اليَهُودَ، اللَّهُمَّ الْعَنِ النَّصَارَى؟


(١) أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب فضل اللهم ربنا لك الحمد، رقم (٧٩٧)، ومسلم: كتاب المساجد، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة، رقم (٦٧٦)، دون ذكر الوتر.

<<  <   >  >>