وقوله:{وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: جعَلْناهم وارِثين. وَيقول المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ:[أي: من بَعْد مُوسَى] ويُمكِن أن نَقول: أَوْرَثْناه من بعد مُوسى ومن بعد فِرعونَ، فيَكون الله تعالى أَورَثَ بني إسرائيلَ الكِتاب من بعد نَبيِّهم ومن بعد فِرعونَ، كما قال الله تعالى:{كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}[الشعراء: ٥٩].
{الْكِتَابَ} قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [التوراة] وسُمِّيت كِتابًا؛ لأنها مَكتوبة، وعلى هذا يَكون كِتاب بمعنى: مَكتوب، وهذه الصِّيغةُ -أَعنِي: فعالًا - تَأتِي في اللُّغة العرَبية بمَعنَى: مَفعول في مَواضِعَ كَثيرةٍ، مِثل بِناء بمَعنَى: مَبنيٍّ، وغِراس بمَعنى: مَغروسٍ، وفِراش بمَعنَى: مَفروشٍ، وهلُمَّ جرًّا.
{هُدًى} يُحتَمَل أن تَكون كما قال المفَسِّر مَصدَرًا بمَعنى اسم فاعِل مَنصوبًا على الحال؛ حيث قدَّرها بقوله:[هادِيًا]، ويُحتَمَل أن تَكون مَفْعولًا من أَجْله، أي: من أَجْل {هُدًى} أي: من أَجْل اهتِداء الناس.
قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} تَذكِرة لأَصْحاب العُقول] فهي هُدًى، وهى تَذكِرة، هُدًى يَهتَدِي بها الناس، وتَذكِرة يَتذَكَّر بها، ولكن لا يَتذَكَّر بها إلَّا أُولو الألباب، فأُولو الأَلْباب، يَعنِي: أصحاب العُقول، وسُمِّيَ العَقْل لُبًّا بمَنزِلة اللُّبِّ من الحَبِّ؛ لأنه هو المَقصود، وهو رُوح الإنسان.
وقوله:{وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} اجْمَعْها إلى قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[آل عمران: ١٩٠] يَتبَيَّن لك أن الذين يَنتَفِعون بالآيات الكونية كخَلْق السَّموات والأرض والآيات الشَّرْعية هم أَصْحاب العُقول؛ لأنهم يَنظُرون، ويَتفَكَّرون، وَيقيسون الأشياءَ حتى يَهتَدوا.