للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في قَلْبه نوع اعتِراض على الله عَزَّ وَجَلَّ: لماذا قدَّر علَيَّ كذا ولم يُقدِّر على فُلان؟ ! ولماذا ابتَلاني الله؟ ! ثُم بعد ذلك ربما يَكفُر، نَسأَل الله العافِيةَ.

كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} [الحج: ١١]، التَّسخُّط باللِّسان أن يَدعوَ بالوَيل والثُّبور، وما أَشبَهَ ذلك من دَعوى الجاهِلية، والتَّسخُّط بالأركان بضَرْب الخُدود وشَقِّ الجُيوب، وما أَشبَه ذلك؛ فصار الصَّبْر على أقدار الله يَتَضمَّن حَبْس القَلْب واللِّسان والجَوارِح.

فإن قال قائِل: إن التَّسخُّط القَلبيَّ من أشَدِّ الأمور، يَقول بعضُهم: إن هذا أَمْر خارِج عن طاقَتي، أنا أَكرَه هذا لكن أَجِده في نَفْسي وأُدافِعه وأَجِده وأَجِده؟ !

فالجَوابُ: هناك فَرْق بين كراهة المَقدور وكَراهة التَّقدير، كَراهة المَقدور من طَبيعة الإنسان، كلٌّ يَكرَه أن يُصاب بأذًى، لكن كَراهة التَّقدير هذا هو المُراد، أن تَكرَه تقدير الله من حيثُ هو فِعْل الله، فيُولِّد لك ذلك أنك رُبَّما تُبغِض الله عَزَّ وَجَلَّ - أَعوذُ بالله - ربَّما تُبغِض الله، كيف يُقدِّر علَيَّ هذا الربُّ هذا التَّقديرَ؟ ! أمَّا كراهة المَقدور فلا بُدَّ منها، كل إنسان يُصاب بما لا يُلائِم طَبْعه سوف يَكرَه هذا الشيءَ.

فإن قال قائِلٌ: هذه الكَراهةُ تَقَع في القَلْب مع كَراهة الإنسان ظاهِرَّاَ لها، هو يُدافِعها لكن يَجِدها في قَلْبه.

فالجَوابُ: لا أَظُنُّ، لا يُوجَد إنسان مُؤمِن يَكرَه ما قدَّر الله من حيثُ هو تَقديرٌ لله، أَبَدًا، وماذا يَكرَه؟ ! أنت مَملوك لله، كيف تَكرَه هذا الشيءَ؟ هل أنت تَذبَح بَعيرَك لتَأكُله والبَعير يَكرَه هذا الشيءَ؟ ! هو مِلْكك، فالله عَزَّ وَجَلَّ احذَرْ أن تَكرَه تَقديرَه

<<  <   >  >>