بائِنٌ من الخالِق، فلا يُمكِن أن يَدخُل الخالِق في المَخلوق حتى نَقول: استَثْنى العَقْل، والاستِثْناء إخراج الشيء من الشيء، وهنا لم يَدخُل أصلًا.
وفي هذه الآية:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} هل نَقول: إلَّا ذاته بدليل العَقْل؟ نَقول: لا؛ لأن الأصل لم يَدخُل، فهو خالِق كل شيء، هو فاعِل وغيره مَفعول، فهو لم يَدخُل أصلًا حتى نَقول: أَخرَج ما يَستَثْنيه العقل في هذا البابِ، وقد استَدَلَّ الجهْمية والمُعتَزِلة بأن كلام الله مخَلوق لأن كَلام الله شيء، فيَكون داخِلًا في العُموم، ونَقول: إِذَنْ يَلزَمكم أن تَقولوا: إن الله مَخلوق؛ لأن الله شيء {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ}.
إِذَنْ قولوا: إن الله مَخلوق أيضًا. فإن قالوا: لا يُمكِن أن نَقول؛ لأن الفاعِل غير المَفعول، قُلْنا: وصِفات الفاعِل كالفاعِل، الصِّفات يُحذَى بها حَذوَ الذات، فإذا كان الربُّ عَزَّ وَجَلَّ خالِقًا وغيرَ مَخلوق، فصِفاته أيضًا غيرُ مخَلوقة، فالقُرآن ليس بمَخلوق؛ لأنه كلام الله، وكلام الله من صِفاته، وصِفات الله كلها غير مخَلوقة.
فإن قال قائِل: إن الخَلْق ثابِت للعَبْد، قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون: ١٤]، فأَثبَت أن هُناك خالِقِين، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المُصوِّرين:"أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ"(١) فأَثبَتَ أنهم خالِقون.
فالجَوابُ: أن الخَلْق الثابِت لله عَزَّ وَجَلَّ ليس كالخَلْق الذي أُثبِت للمَخلوق، خَلْق المخلوق للشيء تَحويله من حال إلى حال، وليس إيجادَه، فالنَّجَّار إذا صنَع
(١) أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء، رقم (٢١٠٥)، ومسلم: كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، رقم (٢١٠٧/ ٩٦) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.