للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: الإشارة إلى القاعِدة المَشهورة، وهي أن التَّخلِية قبلَ التَّحلِية، ليسَت تَحلية الماء، التَّحلية يَعنِي: التَّزيين، التَّخْلية قبل التَّحْلية، تُؤخَذ من قوله: {نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ} فهذه تَخْلية، {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ} هذه تَحلِية، ووجهُ كون التَّخْلية قبل التَّحْلية أن التَّحْلية إذا ورَدَت على مَحلٍّ غيرِ نَظيف صارَت ناقِصة مُتلوِّثة، فأنت طهِّر المَحلَّ أوَّلًا ثُم حَلِّهِ ثانيًا. وهكذا كلِمة الإخلاص (لا إلهَ) نَفيٌ (إلَّا الله) إثباتٌ، الأوَّل تَخلية والثاني تَحلِية.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: بُطلان عِبادة ما سِوى الله؛ لأن النهيَ يَقتَفِي البُطلان والفَساد، فلمَّا نُهينا عن عِبادة ما سِوى الله دلَّ ذلك على أنها باطِلة.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كغَيْره يَحتاج إلى العِلْم؛ لقوله: {لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي}.

فإن قال قائِل: في هذا إشكال كبير، وهو كيف يَكون الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لم يَعلَم ببُطْلان هذه الآلهةِ إلَّا حين جاءَه النَّهيُ، مع أن بُطلان هذه الآلهِةِ مَركوز في الفِطَر والعُقول؛ أمَّا كونه مَركوز في الفِطَر فلِقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى الفِطْرَةِ" (١)، والفِطْرة هي عِبادة الله وحدَه؛ وأمَّا العَقْل فلأنَّ إبراهيمَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ استَدَلَّ على بُطلان الآلِهة بدَليل عَقْليٍّ، حين قال لأبيه: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: ٤٢]؟

قُلنا: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يَعلَم هذه الآلهِةَ، لكنه أَسنَد هذا العِلْم إلى


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه، رقم (١٣٥٨)، ومسلم: كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، رقم (٢٦٥٨) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>