للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالحاصِلُ: أنهم يَندَمون هذا الندَمَ العَظيم ثُم يُنكِرون يَقول عَزَّ وَجَلَّ: {بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا} {نَدْعُو} بمَعنى نَعبُد؛ لأن الدُّعاء يَنقَسِم إلى قِسْمَين: دُعاء مَسألة، ودُعاء عِبادة، وكِلاهما مُتلازِمان فدُعاء المَسأَلة عِبادة، كما جاء في الحديث: "الدُّعَاءُ عِبَادَةٌ" (١) ودُعاءُ العِبادة دُعاء مَسأَلة؛ لأنك لو سأَلْت العابِد لماذا عبَدْت الله؟ لقال: رجاءَ ثَوابِه وخوفَ عِقابه. فهو داعٍ بلِسان الحال؛ ولذلك صار الدُّعاء بمَعنَى العِبادة، والعِبادة بمَعنى الدُّعاء، وانظُرْ إلى ذلك في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠].

لكن دُعاء المَسأَلة دُعاء صَريح في السُّؤال يَقول القائِل: ربِّ اغفِرْ لي وارْحَمْني .. إلى آخِره، ودُعاء العِبادة دُعاء باللَّازِم؛ لأن الإنسان إنما يَعبُد الله خوفًا من عِقابه ورجاءً لثَوابه.

ودُعاء المَسأَلة عِبادة باللَّازِم؛ لأن السائِل مُتذَلِّل للمَسؤول، فهو مُتعَبِّد له.

قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا} أَنكَروا عِبادتهم إيَّاها ثُم أُحضِرت، فقال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}؛ أي: وَقودها].

وتمَام الآية: {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء: ٩٩]، فهَؤلاءِ أَنكَروا، كذَبوا على أَنفُسهم، ظَنُّوا أن


(١) أخرجه الإمام أحمد (٤/ ٢٦٧)، وأبو داود: كتاب الصلاة، باب الدعاء، رقم (١٤٧٩)، والترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة، رقم (٢٩٦٩)، وابن ماجه: كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء، رقم (٣٨٢٨)، من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>