للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالجوابُ: نَقول: أمَّا الأوَّلُ وهو قوله: "إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا" فإنَّما قُلنا: إنها لَيْسَت للحَصْر بدليلٍ وهو حَديث عبد الله بن مَسعود في حَديث الهَمِّ والغَمِّ، قال: "أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ" (١)، وإذا كان الله مُستَأْثِرًا به في عِلْم الغَيْب عنده، فإنه لا يُمكِن للإنسان أن يُدرِكه؛ لأن الله استَأْثَر به، فمن ثَم قُلنا: إن العَدَد لا مَفهومَ له في قوله: "إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا" وأن المعنى أن مِن أَسماء الله تِسْعة وتِسْعين اسمًا مَن أَحصاها دخَل الجَنَّة.

فإن قال قائِل: إذا قُلنا: {ادْخُلُوا} تَأتِي للإهانة وتَأتِي للإكرام أَفَلا يَكون فيها رَدٌّ على مَن قال: إن القُرآن فيه مَجاز، وذلك لأَنَّنا نَقول: كلُّ كلِمة في مَوْضِعها فهي حَقيقة فيها.

فالجوابُ: نعَمْ، ربما يَكون في ذلك دَلالة على نَفيِ المَجاز؛ ولهذا كان الصوابُ ما اختارَه شَيْخُ الإسلام ابنُ تَيميَّةَ (٢) رَحِمَهُ اللَّهُ "أنَّه لا مَجازَ في اللُّغة ولا في القُرآن".

والعُلَماء اختَلَفوا على هذا في أَقْوال: فمِنْهم مَن قال: لا مَجازَ لا في القُرْآن ولا في غيره. ومِنهم مَن قال: لا مَجازَ في القُرآن ويَجوزُ في اللُّغة. ومِنهم مَن قال: المَجاز في القُرآن واللُّغة. ومِنهم مَن قال: كلُّ الكَلام مَجاز. وأَظُنُّ هذا رَأْيُ ابن جِنِّي (٣)، أن جميع الكلام كله مجَاز، حتى إذا قال: ضرَبْت زَيْدًا. قال: هذا مجَاز. قُلتُ: خيرًا. قال: هذا مَجاز. وهَكذا، لكن الراجِح أن لا مَجازَ؛ وذلك لأن الذي يُعيِّن مَعنَى


(١) أخرجه الإمام أحمد (١/ ٣٩١) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
(٢) انظر: كتاب الإيمان (ص: ٧٣).
(٣) انظر: المزهر في علوم اللغة للسيوطي (١/ ٢٨٧)، ومنع جواز المجاز للشنقيطي (ص: ٥).

<<  <   >  >>