الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: إثبات أَفْعال الله الاختِيارية؛ يَعنِي: أن الله تعالى قد يُحدِث من أَمْره ما شاء، لقوله:{فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ}(إذا) هنا شَرْطية للمُستَقبَل، إِذَنِ الأَمْر لم يَأتِ بعدُ.
وهذا يَدُلُّ على أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى مُتَّصِفْ بالأفعال الاختِيارية خِلافًا للأشاعِرة ونحوهم الذين قالوا: إن الله تعالى لا يُوصَف بالأَفْعال الاختِيارية، كيف يُوصَف بالأفعال الاختِيارِية؟ ! إذا قُلْنا: يُوصَف، قالوا: هذا يَقتَضِي أحَدَ أَمْرين: إمَّا أن يَكون الله حادِثًا، وإمَّا أن يَكون ناقِصًا.
أفَا كونه يَستَلزِم أن يَكون الله حادِثًا فلأَنَّ الحوادِث لا تَقوم إلَّا بحادِث، فإذا أَثبَتُّم أن الحوادِث تَقوم به لزِمَكم أن يَكون الله حادِثًا؛ لأن الحوادِث لا تَقوم إلَّا بحادِث، هذه واحِدة.
أمَّا النَّقْص فنَقول: إذا كان هذا الفِعْل الذي فعَله الآنَ كمالًا فلماذا لم يَتَّصِف به من قَبلُ؟ إذا كان كَمالًا فلماذا يَحدُث بعد أن لم يَكُن؛ وإن لم يَكُن كمالًا فهو نَقْص يَجِب أن يُنزَّهَ الله عنه. وهذا لا شَكَّ أنه تَلْبيس. أمَّا الأوَّل فقولهم: إن الحوادِث لا تَقوم إلَّا بحادِث. نَقول: من أين أَتاكُم هذا؟ أمِنْ جُيوبِكم، أم من آرائِكم الفاسِدة؟
مَن قال: إن الحَوادِث لا تَقوم إلَّا بحادِث؟ الحوادِث تَحدُث قبل أن تَكون ونحن سابِقون عليها، فكذلك ما يُحدِثه الله -عَزَّ وَجَلَّ- يُحدِثه وهو سابِق عليه، وسَبْقه أزَليٌّ، فدَعْواكم هذه باطِلة تَحتاج إلى دَليل، ولا دَليلَ، بل الدليلُ على نَقْضها.
وأمَّا قولُكم: إن كان كمالًا فلماذا لم يَتَّصِف به من قبلُ؟ وإن لم يَكُن كَمالا فهو نَقْص، فيَجِب نفيُه، نَقول: هذا أيضًا باطِل؛ لأننا نَقول: إن فِعْل الله الذي يُحدِثه هو