للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويَتفَرَّع على هذا فائِدتان أو أكثَرُ، وهُما: رحمة الله بالعِباد، وحِكْمة الله تعالى في فِعْله:

أمَّا رحمة الله بالعِباد فلأن الله تعالى لو أَرسَل إليهم رُسُلًا بدون آيات، لكان في ذلك تَكليفٌ بما لا يُطاق، لأن الإنسان لا يُمكِن أن يُصدِّق برسول بدون آياتٍ تَدُلُّ على صِدْقه وإلَّا لأَمكَن كلَّ كاذِب أن يَقول: إنه رسولٌ.

وأمَّا الحِكْمة فظاهِرة أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لمَّا أَرسَل الرُّسُل لم يَترُكْهم هَمَلًا، بل أَعطاهم ما على مِثْله يُؤمِن البَشَر كما أَخبَر بذلك نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - أن الله ما بعَث رسولًا إلَّا آتاه ما يُؤمِن على مِثْله البَشَر، والذي أُوتيَه الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هو الوَحيُ القُرآن، ولهذا قال: "فَأَرْجُو أَنْ أَكَونَ أَكثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (١)؛ لأن القُرآن آية باقِية إلى يوم القِيامة، أو إلى أن يَأذَن الله تعالى بفَساد العالَم، أمَّا آيات الرُّسُل فغالِبُها تَنقَضِي في زمانهم، لكن آية الرَّسول باقِية.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن آياتِ الرُّسُل بيِّنة لا تَحتَمِل الشَّكَّ، لقوله: {بِالْبَيِّنَاتِ}.

ويَتفَرَّع على ذلك: أنه يَنبَغي للعالِم الذي يَنشُر شريعة الله -عَزَّ وَجَلَّ- إذا نشَرَها بين الناس أن يَكون نَشْره إيَّاها على وَجهٍ بَيِّن لا اشتِباهَ فيه:

أوَّلًا: اقتِداءً بالرّسُل. وثانيًا: ليَزداد المُخاطَب طُمأنينة، لأن الطُّمأنينة لها أثَرٌ في قَبول ما يُلقَى وفي القِيام به، فإن الإنسان إذا لم يُبيَّن له الحَقُّ على وَجْه تَحصُل به الطُّمَأنينة تَجِده يَمشِي، أو يَأخُذ بالحَقِّ وهو مُتردِّد، لكن إذا زِيد طُمَأْنينة انتَفَع بذَلِك.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بعثت بجوامع الكلم"، رقم (٧٢٧٤)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الناس، رقم (١٥٢)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>