للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} {وَخَسِرَ} فسَّرَها المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ بمَعنَى: [تَبيَّن خُسْرانهم لكُلِّ أحَدٍ، وهُم خاسِرون في كلِّ وَقْت قبلَ ذلك].

{وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} مَعلوم أن {هُنَالِكَ} ظَرْف مَكان، هذا هو الأصل، فهي اسْمُ إشارة إلى المَكان.

وقد تُستَعار إشارةً للزَّمان، فتَقول هُنالِك؛ أي: في ذلِكَ الوَقْتِ، ومِنه هذه الآيةُ انتَبِهِ، الآنَ إذا قُلْت: فُلان هناك. هذا ظَرْف مَكان، وهذا هو الأصل، ولو قُلْت مثَلًا: قَدِم فُلان هُناك. تُشير إلى الوَقْت صارَت إشارةً للزَّمان، لكن هذا خِلاف الأَصْل، بَقِيَ علينا أن يُقال: خَسِرَ في ذلك الوَقتِ الكافِرون. أليسَ الكافِرون خاسِرين في كُلِّ وَقْت؟ بلى، لكن تَبيَّن خُسْرانهم وظهَر؛ لأنَّهم كانوا قبل أن يَنزِل عليهم العَذاب يَظُنُّون أنهم رابِحون؛ ولهذا فرِحوا بما عِندهم من العِلْم، لكن إذا نزَلَ بهم العَذابُ ظهَرَ لهم الخُسْران.

فإن قال قائِل: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى قال في الآيَةِ الأُولى: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر: ٨٥] وفي آخِرِ السُّورة قال: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} فما فائِدةُ التَّغيِير؟

فالجَوابُ: الفائِدةُ من هذا هو بَيان أن كُلَّ كافِر هو مُبطِل ليس معه حَقٌّ، وكل مُبطِل لا يَقول إلَّا الباطِل فهو كافِر يَعنِي: المُبطِل في كل أحواله فهو كافِر ليس معه شيء من الحَقِّ، والكافِر مُبطِل ليس معه شيء من الحَقِّ أيضًا، فاختِلاف التَّعبير لزِيادة المَعنَى، كما يَكون أيضًا في اختِلاف القِراءات أَحْيانًا، كقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}، وفي قِراءة أُخرى: "تَسْتَأْذِنُوا" {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}، وفي قِراءَةٍ: "فَتَثَبَّتُوا"، فتكون القِراءة هَذه مُفسِّرةً للقِراءة الثانية.

<<  <   >  >>