للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال:

مل سكنى البروج فاعتاض عنها ... بسروجٍ على متونٍ ظباء

فقلت:

ما تثنى في الدرع إلا أرانا ... غصناً مائساً بجدول ماء

[قال علي بن ظافر]

واتفق أن مضى السلطان الملك الأشرف أبقاه الله - في أوائل خدمتي له وأواخر سنة ثمان وستمائة إلى مدينة نصيبين، وضرب خيمته على تل بين بساتينها يعرف بتل أبي نواس، وهو تل مشرف في غاية العلو، مستدير الشكل أحسن استدارة، قد استقبل جرية نهر الهرماس، حتى إذا وصل النهر إليه، تفرق حواليه، وتلوى تلوى الحيات من جانبيه، والبساتين محيطة به قد ملأت أكثر مرمى البصر، وهو في نفسه قد تأزر بالأعشاب، واكتسى بغرائب الأزهار، التي أدناها شقائق النعمان، وباسم الأقحوان. وكنت أنا مقيماً بالبلد لتدبير أحوالها، وتزجية وجوه أموالها، وأنا أتكرر إليه. وإنما نقطع المسافة إلى الخيام في جنات ذات أنهار، وظلال تمنع الحرور وتأذن للنسيم والأنوار، فعن لي أن قلت في بعض خرجاتنا ونحن سائرون على ظهور دوابنا:

اجلس بتل أبي نواس ... ما بين باطيةٍ وكاس

وابتع سروراً باعه ... منك الزمان بلا مكاس

في ظل غيثٍ ذي ارتجا ... زٍ بالرواعد وارتجاس

واستدعيت من شهاب الدين المذكور المساعدة وهو يسايرني، فقال:

تل تطلع مشرفاً ... بين المزارع والغراس

بالنهر منتطق على ... زهرٍ كموشى اللباس

من قاس ربوة جلقٍ ... بذاره أخطأ في القياس

فقلت:

أضربته بعصاك يا ... موسى فأصبح ذا نبجاس

فالماء يفرى المحل سي ... ف منه مكفوف الدياس

والقضب أمثال القنا ... والورد أمثال التراس

فقال:

والثم خدود الورد في ... هـ فتحتها أصداغ آس

وابن اصطباحك إن أرد ... ت من الغبوق على أساس

فقلت:

واسمع غناءً كالغنى ... قد جاء من بعد الإياس

شدواً إذا أدوى القلو ... ب أسىً فمنه لهن آس

<<  <   >  >>