للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما ذاك عن خلق بضيق بطارقٍ ... ولكن لأخذي باحتياطٍ على حالي

فإن صادف ما خطبته منك أيدك الله قبولا ولديك نفاقاً فمنية غفل الدهر عنها، إذ فارق مذهبه فيما أهداه إلى منها، وإن جرى على رسمه في المضايقة فيما أوثره وأهواه، وأترقبه من قربك وأتمناه، فذمام المروءة يلزمك رد هذه الرقعة وسترها وتناسيها، واطراح ذكرها إن شاء الله تعالى. وإذا بأبيات تتلو الخطاب وهي:

ياعامر العمر بالفتوة وال ... قصف وحث الكئوس والطرب

هل لك في صاحبٍ تناسب في ال ... غربة أخلاقه وفي الأدب

أوحشه الدهر فاستراح إلى ... قربك مستنصراً على النوب

فإن تقبلت ما أتاك به ... لم تشب الظن فيك بالكذب

وإن أبي الدهر دون رغبته ... فكن كمن لم يقل ولم يجب

قال أبو الفرج: فورد على ما حيرني، واسترد ما أخذه الشراب من تمييزي، وحصل لي في الجملة أن أغلب الأوصاف على صاحبها في الكتابة خطا وترسلاً ونظماً، وشاهدته بالفراسة من ألفاظه، وحمدت أخلاقه قبل الاختبار من رقعته، فقلت للراهب: ويحك! من هذا؟ وكيف السبيل إلى لقائه؟ فقال: أما ذكر حاله فإليه إذا اجتمعنا، وأما السبيل إلى لقائه فسهل إن شئت، قلت: دلني، قال: تظهر فتوراً، وتنصب عذراً تفارق به أصحابك منصرفاً؛ فإذا صرت بباب الدير عدلت بك إلى باب صغير تدخل منه. فرددت الرقعة عليه وقلت: أدفعها إليه ليتمكن أنسه بي وسكونه إلي، ثم عرفته أن التوفر على إعمال الحيلة المبادرة إلى حضرته على ما آثره من التفرد أولى من التشاغل بإصدار جواب وقطع وقت بكتابته.

ومضى الراهب وعدت إلى أصحابي بغير النشاط الذي ذهبت به؛ فأنكروا ذلك مني، فاعتذرت إليهم بشيء عرض لي، واستدعيت ما أركبه، وتقدمت إلى من كان معي من الخدم بالتوفر على خدمتهم؛ وقد كنا عولنا على المبيت، فأجمعوا على تعجيل السكر والانصراف، وخرجت من باب الدير ومعي صبي صغير كنت آنس به وبخدمته، وتقدمت إلى الشاكري برد الدابة وستر خبري ومباكرتي. وتلقاني الراهب، فعدل بي إلى طريق في مضيق، وأدخلني الدير من طريق غامض، وصار بي إلى باب قلايةٍ يتميز عما يجاوره من الأبواب نظافةً وحسناً، فقرعه بحركات مختلفة كالعلامة بينهما، فابتدرنا منه غلام كأن البدر ركب على أزراره: مهفهف

<<  <   >  >>