للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن. فقيل له: لو كانت منسوخةً لكان في السنة ما (١) يُبيِّن ذلك، كما قال يزيد بن عبد الله بن الشِّخِّير: حديثُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ينسخُ بعضُه بعضًا كما ينسخ القرآن بعضُه بعضًا (٢). ولهذا كان ظاهر مذهب أحمد وهو مذهب الشافعي أن القرآن لا ينسخُه إلَّا قرآنٌ، لا ينسخه مجرَّدُ السنة أيضًا، وإن كانت السنة مفسِّرةً له مبيِّنةً له بلا نزاع. وقد خالفهم في ذلك أكثر أهل الكلام وطوائفُ من الفقهاء، وهو الرواية الأخرى عن أحمد التي يختارها أكثر أصحابه.

وهذا النزاع في جواز ذلك، وأما الوقوع [فـ] لا أعلم إلى ساعتي هذه حديثًا صحيحًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يجبُ تركُه إلّا لحديثٍ صحيح يعارضه ناسخًا ومفسِّرًا، لا أعلم ما يجبُ تركُه من الحديث الصحيح لمخالفة ظاهر القرآن أو العقل أو نصٍّ للقرآن إلّا أن يكون قد جاءَ حديثٌ آخر يخالفُه، كما قاله الشافعي رضي الله عنه، فإنه كان من أبصر الناس بأصولِ الفقه وأعلمهم بالجمع بين النصوص المتعارضة، وناسخِها ومنسوخها، ومجملها ومفسَّرِها، ولهذا تكلَّم على مختلف الحديث، وكان يُدعَى ببغداد ناصر الحديث، وصرَّح بما ذكرتُه.

فروى شيخُ الإسلام في كتاب ذم الكلام (٣) عن الربيع قال: سُئل الشافعي بأيِّ شيء يَثبتُ الخبر؟ قال: إذا حدَّثَ الثقةُ عن الثقةِ حتى ينتهي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولا يُترك له حديث إلّا حديث واحدٌ يخالفه حديث،


(١) في الأصل: "بما".
(٢) أخرجه الحازمي في الاعتبار (ص ١٦).
(٣) (٢/ ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>