للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا إذا لم يقصد به وجه الله وطاعة رسوله كان ذلك اتباعًا لهواه، وكان خارجًا عن موجب الإسلام في هذا الموضع، وإن كان في موضعٍ آخر داخلًا فيه.

وبهذا يتبيَّن أن كثيرًا من الأحبار والرهبان والعلماء والعُبَّاد يأكلون أموالَ الناسِ بالباطل، ويَصدُّون عن سبيل الله، وأن العالم الذي يعتقد الاعتقادَ في المسائل الخبرية والعلمية والعابد الذي يتعبَّدُ لنفسه = إن لم يَسلُكا السبيلَ المشروعة وإلّا كان كلٌّ منهما متبعًا لهواه، فإن العالم يأمر وينهى ويُخبِر، والأمر والنهي يتضمن الحبَّ والإرادةَ والبغضَ والكراهةَ في نفسِ الدين، فإن لم يكن الحبُّ لله والبغضُ لله في الدين وإلّا كان هوًى وشركًا. والإخبار يتضمن الأمر باعتقاد الخبر.

ولهذا لمّا تنازع الناس: هل يُسمَّى الفقهاءُ ونحوُهم من أهل الأهواء؟ فجعلهم منهم طائفةٌ كأبي حامد الإسفراييني والقاضي أبي يعلى، وأبَتْ ذلك طائفةٌ كابن عقيل = كان التحقيق أن غالبهم لهم هوًى، لكن ليسوا من أهل الأهواءِ المطلقة المفارقة للسنة والجماعة.

فلهذا على المسلم أن يَتلقَّى ما جاءتْ به الرسلُ على وجهِه، فيُرِيد اللهَ بجميع ذلك، وإلّا وقعَ في بدعةٍ وشركٍ واتباع هوًى بلا ريب، وإن كان مخالفوه (١) أعظمَ منه في ذلك، فإنهم يكونون مفرّقين، والله تعالى إنما أمرهم أن يعبدوه مخلصين لله الدين، فكل ما دخل في الدين يجب أن يُخلَص لله لا لغيره، فيكون دينُ المرء كلُّه لله.

كما أن الدين في نفسه كاملٌ لا نقصَ فيه ولا تناقضَ كما بيناه، وأن


(١) في الأصل: "مخالفه".

<<  <  ج: ص:  >  >>