الكذَّاب بما قَبِلوه من قرآنِه المفترى من دونِ الله، وإن كان قد زعم أنه شريكٌ لرسولِ الله في الرسالة. وما من أحدٍ خرج عن الكتاب والسنة إلّا وقد جَعَل مع الرسول كبيرًا له يُشرِكه معه في التصديق والطاعة، لا سيَّما الغالية من الجهمية والاتحادية والباطنية ونحوهم عند [هم] كلامُ سادتهم وكُبرائهم مُضاهٍ لكلام الله ورسوله، وكثيرًا ما يُقدِّمونه عليه ذوقًا ووجْدًا وحالًا واعتقادًا ومقالًا. ومنهم من يُفضِّلُه على كلام الله، حتى يقول: كلامُ الله يُوصِلُ إلى الجنة، وكلامُنا يُوصِل إلى الله تعالى. والقرآنُ للعوامِّ وكلامُنا للخواصّ. ويقول أحدهم: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لي: هؤلاء غلمانٌ وأنت خُشْداش (١). وهذا بعينه قول مسيلمة الكذَّاب، إذ ادَّعى أنه أُوحي إليه وأنه نظيرٌ لمحمد صلى الله عليه وسلم من هؤلاء. وأما المقتصد منهم فلا يعتقدون ذلك، لكنه لازم لهم في مواضع كثيرة.
فليتدبّر المؤمن هذا الموضعَ، فإنه عظيم الفائدة، وذلك أن الذين كانوا مقرِّين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وفيهم نوع إيمانٍ به كان فيهم من يجعل له شريكًا في الطاعة، مثل ما كانوا يطيعون عبد الله بن أبيّ رئيس المنافقين وكبيرهم، وكان أهلُ المدينة قد عزَمُوا على عقْدِ الملك له قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، فلما ردَّ الله ذلك بالحقّ الذي بعث به رسوله شَرِقَ بذلك. ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم معسكرًا إلى أحد رجع ابنُ أُبيّ ورجع معه ثلثُ الناس. وكان يقوم في المسجد ويحُضُّ على طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخباره معروفة.
وكان من المسلمين مَن يُطيعه في كثيرٍ من الأمور ويَقبل منه وإن لم
(١) أصله "خواجه تاش" بمعنى خادم السيد، انظر سواء السبيل (ف. عبد الرحيم) ص ٦٩.