للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعذَّب بما نِيْحَ عليه"، والمُعْوَلُ عليه يعذَّب، والنياحة والعويل والبكاء بالمدّ لا يكون إلّا مع الصوتِ الذي هو الصَّلق، فأما الدمع (١) فهو بُكًى بالقصر لا يمدّ، كما قال الشاعر (٢):

بَكَتْ عَيْني وحُقَّ لها بُكَاها ... وما يُغنِي البكاءُ ولا العويلُ

فإن زيادة اللفظ لزيادة المعنى، والفُعَالُ من أمثلةِ الأصوات، كالرُّغاء والثُّغاء والدعاء والخُوار والجُؤار والنُّباح والصُّراخ، وكذلك الفَعِيْل كالضَّجيج والعَجِيج والهَرِيْر.

وأما القسم الثاني الذين تأوَّلوا الحديثَ، فهؤلاء من المتأخرين لا من الصحابة، فإن الصحابة عرفوا المقصودَ برواية بعضهم لبعضٍ، فلم يَستقمْ لهم التأويل، وهؤلاء جعلوا التعذيب على ذنبٍ يفعله الميّتُ، فبعضُهم جعله هو أمره بالنياحة، وقَصَر الحديثَ على هذا، كما يُذكَر عن المزني. وبعضُهم جعلَ ذلك إذا كانت النياحةُ عادتَهم ولم يَنْهَ عنها، فيُعذَّب على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذا أمثلُ التأويلات، وهو (٣) تأويل البخاري صاحب الصحيح (٤) وجدِّي أبي البركات (٥) وغيرهما.


(١) في الأصل: "الدفع".
(٢) البيت لحسان بن ثابت في جمهرة اللغة ١٠٢٧ وليس في ديوانه، ولعبد لله بن رواحة في ديوانه ٩٨ وتاج العروس (بكى)، ولكعب بن مالك في ديوانه ٢٥٢ ولسان العرب (بكى). وانظر شرح شواهد شرح الشافية ٦٦.
(٣) في الأصل: "هي".
(٤) قال في كتاب الجنائز: باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه" إذا كان النوح من سنته ...
(٥) في الأصل: "أبو البركات".

<<  <  ج: ص:  >  >>