للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيره، ولا يَثبتُ لأحدٍ في ذلك قولٌ مطّردٌ، فإنّ ما في القرآن من ذلك قد يُراد به عمومُ النفي، كقوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة/ ٧]، وقوله: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر/ ٢٠]، وغير ذلك.

وإنما قلنا: إنها مثلها، لأن إثبات المساواة المطلقة يعمُّ المساواة في كل شيء عند الإطلاق، فإن عموم الكلِّ لأجزائه لعموم الجمع لأفرادِه، إذ لا فرق بين أن يكون المشمول الذي تناوله اللفظُ أفرادًا متباينةً أو أجزاءً متصلةً أو صفاتٍ قائمةً، كعموم قوله تعالى: {وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة/ ٦] لجميع أجزاء اليد والوجه.

إذا عُرِف ذلك فنقول: المساواة المثبتة تكون مطلقةً وتكون مقيَّدةً، فإذا كانت مقيَّدةً ببعض الأشياء لم يكن النفي إلّا لتلك فقط، [و] إن كانت مقيدة بمساواةٍ في شيء معين يقيد النفي به، وإن كانت مطلقةً في المساواة في أيّ شيء كان النفي لذلك، وإن كانت عامة المساواة في كلّ شيء فالعام المنفي نفيًا مطلقًا هو مورد النزاع. وأشهر القولين عند أصحابنا وعليه أكثرُ العلماء أنه لعموم النفي، فتنتفي المساواة من كلِّ وجهٍ، كما أن النفي الداخل على صيغ العموم يعمُّ ما يَعمُّه الإثبات، وذلك أن النفي يُناقض الإثبات، فيرفعُ ما أوجبَه الإثباتُ.

ولهذا كانت النكرة في سياق النفي تَعُمُّ، لأن مسمَّى اللفظ النكرة مثل وجهٍ وفرسٍ هو الحقيقة المطلقة، فإذا نُفِيَتْ فقيل: لا رجلَ في الدار، ولا يُقتَل مسلمٌ بكافرٍ، ولا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدالَ في الحج، ولا نبيَّ بعدي، ولا إله إلّا الله = اقتضى نفي الحقيقة، والحقيقة المطلقة لا تنتفي إلا بانتفاء جميع أفرادِها، وإلّا فأيُّ فردٍ ثبتَ كانت الحقيقةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>