وأما السؤال الثاني - وهو قوله: ليست الأحاديث نصوصًا في ذلك، بل هي ظاهرةٌ قابلةٌ للتأويل - فهذا كلامٌ مجملٌ نُقابِلُه بجوابٍ مجملٍ، وهو أن نقول: كلُّ موضعٍ قطعنا بمضمونِه فالنصوص فيه قطعية، وما [لم] نَقطَعْ بمضمونه فقد تكون الدلالة فيه ظاهرةً وقد تكون قطعية، وما لم يتبيَّن لنا كونُها قطعيةً يكون الدليلُ في نفسِه موجبًا للقطع والاعتقادِ الراجح غير حصولِ العلم، وذلك أن الأدلة هي في نفسها على صفاتٍ تُفيدُ العلمَ باتفاقِ الناس، وأما إفادتُها فهل هو لصفاتٍ هي عليها أم بحسب الاتفاق؟ الجمهورُ على القول الآخر، وأما المؤثِّمةُ للمخطئ والمعتقدون أنّ من لا إثمَ عليه لم يُخطئْ - كابن الباقلاني ونحوه - فيقولون: ليس في الظنون تفاوتٌ ولا عليها أماراتٌ تقتضيها. وهذا غلطٌ عند جمهور الناس، بل للظنِّ أسبابٌ كما للعلم أسبابٌ.
وإذا كانت الأدلةُ هي في نفسها على صفاتٍ تقتضي ذلك فإن ذلك يختلف أيضًا باختلافِ قُوى الإدراك وباختلاف كمالِ النظر، فالحادُّ الذهنِ الصبورُ على استيفاءِ النظرِ يَحصُلُ له من العلم والظنّ بأنواع من الأدلة والأمارات ما لا يحصلُ لمن [لم] يَقْوَ قُوَّتَه ولم يَصبِرْ صَبْرَهُ. وما لم يكن قطعيًّا بل دلالتُه ظاهرة، ليس للإنسان أن يصرفَه عن ظاهرِه إلّا مع وجود المقتضِي لذلك، السالم عن المعارضِ المقاوِم، فالمقتضي مُثل قيامِ دليلٍ يبيِّن لنا مرادَ المتكلم من الأدلة الشرعية ونحوها، كالعامّ الذي بَيَّنَ معناه الخاص.
وكذلك لو فرضنا وجودَ دليل عقليّ قطعيّ يُعارِض ظاهر الأدلة الشرعية التي ليست قطعية لوجبَ تقديم القطعي على الظنّي، ولجزمْنا