للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَقَّ} [سبأ/ ٦]. والمترف هو الذي ترك العملَ بعلمه واستحسن ذلك، كما تقدم في وصفِ صاحبِ الاعتداء في كِبْره وشهوتِه. فأخبرَ أن هؤلاء علموا ما جاءت به الرسلُ، فأَنِسُوا به وعَمِلُوا بذلك واستلانوه، فقال: "فاستلانوا ما استوعَره [المُترفون]، وأَنِسُوا بما استوحشَ منه الجاهلون".

وهذه صفه أئمة الهدى من الصحابة والتابعين، كسعيد بن المسيَّب والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز، ومن بعدهم مثل الثوري ومالك وإبراهيم بن أدهم وعبد الله بن المبارك وفُضيل بن عياض ونحوهم، وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد وعبد الله بن وهب وأبى سليمان الداراني ومعروف الكرخي والشافعي ونحو هؤلاء. ثم كان من أقوم هؤلاء بهذه المنزلة في وقته أحمد بن حنبل ومن يقاربُه في ذلك، كإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وبشر بن الحارث الحافي وغير هؤلاء. فإن الإمام أحمد كما قال فيه أبو عمر النحاس الرملي (١) رحمه الله: "عن الدنيا ما كان أصبَره! وبالماضين ما كان أشبَهَه! أتتْه الدنيا فأباها، والبدع فنَفاها"، فهو من أعظم من أَنِسَ بما استوحشَ منه الجاهلون، واستلانَ ما استوعَره المترفون.

وهؤلاء وأمثالُهم من الأئمة كما قال الله تعالى فيهم: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة/ ٢٤]. فأيُّهم كان أعظمَ يقينًا بآيات الله وصبرًا (٢) على الحقّ فيها كان أعظمَ إمامةً عند الله من غيرِه، ومن مثلِ هؤلاء يُؤخَذ تفسير القرآن والحديث، كما


(١) انظر سير أعلام النبلاء ١١/ ١٩٨ وفيه: أبو عمير بن النحاس.
(٢) في الأصل: "صبروا".

<<  <  ج: ص:  >  >>