فالمستكبر عن عبادة الله تعالى ليس بمسلم، والمشرك الذي يعبده ويعبد غيرَه ليس بمسلم، والإسلام يُضادُّ الاستكبارَ والإشراك جميعًا. ومن المعلوم أن كلَّ من أعرض عن عبادة الله وحدَه فلا بُدَّ أن يهوَى قلبُه ويُحِبَّ شيئًا آخر، فإن العبد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أصدقُ الأسماءِ الحارثُ وهمَّام"(١) هو همَّامٌ، لا بدَّ له من نيَّةٍ، والهمَّةُ أولُ النية، فالهمَّةُ من "هَمَّ" مثل النية من "نَوَى"، وهي الفِعلة يُراد بها نوعٌ من الإرادة، ويُراد بها نفسُ الشيء المراد، إذ المصدرُ يُطلق على المفعول، فنفسُ المَنْوِيّ المقصود يقال له: نَوًى وقَصْد، كما يقال: هذه النَّوَى، للجهة التي يقصدُها المسافر. وكلُّ من لم يعبد الله وحده فإنما يعبدُ هواه أي ما يهواه، فإنه إذا كان همَّامًا مريدًا ولم يُرِد الله فلا بدَّ أن يريد غيره، وذلك هو هواهُ، والهوى يقال له المَهْوِيُّ المحبوب، كما يقال النوى والنية [و] القصدُ للمَنْوِيِّ المقصود، كما تقدم.
فلما كان كلُّ من لم يعبد الله فإنما يعبد هواه وما يهواه ويُحبُّه بنفسه قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان/ ٤٣ - ٤٤]، وقال:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ}[الجاثية/ ٢٣]. فأخبر أنه جعل إلهه الذي يعبده هو ما يهواه ويُحبُّه. ولهذا قال الفقهاء في صفة المشركين: يعبدون ما يستحسنون. وقد أشرنا إلى هذا المعنى في قولِ إبراهيم:{لَا أُحِبُّ الآفِلِينَ}[الأنعام/ ٧٦].
(١) أخرجه أحمد (٤/ ٣٤٥) وأبو داود (٤٩٥٠) عن أبي وهب الجشمي. وهو حديث صحيح.