للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكن منافقًا محضًا، كما قال تعالى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة/ ٤٧]. ولهذا غضب له سعد بن عبادة في نوبة الإفك، وكان أيضًا في المؤمنين به مثلُ ذي الخُوَيصِرة التميمي رأس الخوارج والمبتدعين المفارقين للسنة والجماعة. ثم إنه في آخر عمره ادَّعى مسيلمةُ الكذاب أنه أُشرِك معه في الأمر، وأن كلاهما (١) رسول الله، وكان يُقيم الصلوات ويُقْرَأ عنده قرآنُه والقرآنُ الذي جاء به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وسيرتُه في الرِّدّة معروفة.

فمُسيلمة وأمثالُه نظيرٌ لكل من ادعى أنَّ له في الدين حكمًا مع الرسالة، إما في أصول الدين وإما في فروعِه، بحيث يُطاعُ كما يُطاعُ الرسولُ، سواء كان ذلك دعوى قياسٍ ونظرٍ أو ذوقٍ أو بَصَرٍ أو غير ذلك، وإن كان الواحد من هؤلاء يُشبِه مسيلمة من وجهٍ دون وجهٍ، ففيهم من هو أكذبُ منه، وفيهم من هو خيرٌ منه.

ومن قَرَنَ بالرسالةِ وآثارها طريقةً عقليةً أو ذوقيةً يناظرها بها فهو شبيهٌ بالذين قرَنوا ما جاءَ به مسيلمة بما جاء به محمد، فإن كلاهما في الحقيقة كذب، وإن اشتبه بالحق على خلق كثير، فقد اتبعَ مسليمةَ ألوفٌ مؤلفة، وما حاربَ المسلمين أحدٌ أعظم من (٢) أصحابه، وكان قتالُه من أعظم فضائل الصدّيق الذي صدَّق الرسالةَ، للكذَّاب الذي قرنَها بما يقولُه.

ومن قرن بالرسالة رئاسةً دنيويةً بحيث يجعل طاعتها كطاعتِها، كما يفعل أتباعُ الملوك والرؤساءِ والأغنياء، ففيهم شَوْبٌ من المطيعين لابن


(١) كذا في الأصل بالألف، وهو أسلوب المؤلف.
(٢) في الأصل: "من أعظم".

<<  <  ج: ص:  >  >>