بالأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وأما الطريق الثاني فمن وجوهٍ:
أحدها: أن نقول: [من] لم يَرجعْ إلى الصحابة والتابعين في نقل معاني القرآن وما [يُراد] بها كما رجع إليهم في نقل حروفه وإلى لغتهم وعادتهم في خطابهم، فلا بدّ أن يرجع في ذلك إلى لغة مأخوذة عن غيرهم، لأن فهم الكلام موقوف على معرفة اللغة، وغايته أن يباشر عربًا غيرهم، فيسمع لغتهم ويَعرِف مقاصدهم، ويقيس معاني ألفاظ القرآن على معاني تلك الألفاظ. وهذا إنما يصح إذا سَلِمَ اللفظُ من كلام العربي هذا ويَسْلَم في القرآن أيضًا من احتمال المعاني المختلفة لمجازٍ واشتراك، وإلّا فمتى كان اللفظ من أحدهما دون الآخر دالًّا على معنى آخر بطريق الاشتراك والمجاز لم يكن المراد من أحد المتكلمين به مثل المراد به من المتكلم الآخر، فغايته فيه القياس، وهو موقوف على اتحاد معنى اللفظين.
ثم من المعلوم أن جنس ما دلَّ على القرآن ليس من جنس ما يتخاطب به الناس في عادتهم، وإن كان بينهما قدرٌ مشترك، فإن الرسول جاءهم بمعانٍ غيبية لم يكونوا يعرفونها، وأمرَهم بأفعالٍ لم يكونوا يعرفونها، فإذا عبّر عنها بلغتهم كان بين ما عناه وبين معاني تلك الألفاظ قدرٌ مشترك، ولم تكن مساويةً لها، بل تلك الزيادة التي هي من خصائص النبوة لا تُعرَف إلّا منه. فعُلِمَ أن عامة من يأخذُ معاني القرآن من اللغة التي سمعها من العرب العرباء وباشرَهم فيها أن يكون قائسًا قياسًا يحتمل الضدَّ، وأن يكون ما فاتَه من الفارق أعظمَ مما أدركَه بالجامع، وهذا برهان واضح، ولهذا كانوا يقولون ما ذكره عبد الرزاق في