للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صدقه من كذبه. ويعلمون أن الزهري وقتادة ما كانا يَغلَطانِ، ويعلمون أن ابنَ مسعودٍ وابن عمر لا يُتَصوَّر أن يتعمدا الكذبَ على النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك أكثر أئمة أهل الحديث - مثل مالك وشعبة والثوري وأحمد بن حنبل - مَن عَلِمَ حالَهم يعلَمُ علمًا ضروريًّا أنهم لم يعتقدوا الكذبَ قطُّ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلمون أن هؤلاء لم يَغلَطُوا إن غَلِطُوا إلّا في لفظةٍ أو لفظتينِ، ومنهم من يعلمون أنه لم يَغلَطْ في الحديث النبوي، فإن أحمد بن حنبل ما عُرِفَ أنه غَلِطَ فيه قطُّ، ولا الثوري ولا الزهري، وكذلك خلقٌ كثير غيرهم. والذين يعلمون أنهم قد يغلطون (١) - مثل حماد بن سلمة وجعفر بن محمد - يعلمون أن غلطهم إنما هو شيء يسيرٌ وفي مواضعَ يَعرِفونها.

وبالجملة يجب أن يُعلَم أن حِفظَ اللهِ تعالى لسنة نبيّه من جنس حفظِه لكتابة الذي لا يَرُوجُ فيه الغلطُ على صبيانِ المسلمين، وكذلك الحديث لا يروج فيه الباطلُ على علماء الحديث، مع أنا لا ندَّعي هذا في هذا المقام، فإن ذلك من خواصِّ أهل الحديث وخصائص الأمة، وإنما يكفينا هنا الاكتفاء بالعادة المشتركة بين بني آدم، فإن العلم بمخبر الأخبار يكون من الأسباب الأربعة التي تقدمت: الكثرة وحال المُخْبِر وحال المُخْبَر عنه وحال الأخبار أيضًا. ومن قال من المتكلمين ومن اتبعهم من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم أنْ لا اعتبارَ إلا بالعدد، وأنه إذا حصل [العلمُ] بخبر أربعةٍ لقوم عن أمرٍ وجبَ أن يَحصُل بخبرِ كلِّ أربعةٍ لكلِّ قومٍ في كلِّ قضيةٍ = فهذا قد عُرِفَ غلطُه، [و] قُرِّرَ غلطُه في مواضع.


(١) في الأصل: "يغلطوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>