ولكن هل في القرآن أو الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ظاهره ممتنع في العقل، ولم يتبيَّنْ ذلك بالأدلة الشرعية = هذا لا يُعلَم أنه واقعٌ أصلًا. فمن قال: إن هذا واقعٌ فليذكُرْه، فإنّا رأينا الذي يُدَّعّى فيه ذلك: إمّا أن يكون الحديث فيه موضوعًا، أو الدلالة فيه ليست ظاهرةً، أو أن ظاهرها الذي لم يُرَدْ قد بُيِّنَ بأدلة الشرع انتفاؤه. فإذا كان النصُّ ثابتًا والدلالةُ ظاهرةً وليس في بيانِ الله ورسولِه ودلالِته ما يُبيِّنُ انتفاءها ومرادَه بها، فإنا وجدنا ما يذكرونه من المعقول له هو في نفسه معارَضٌ بمعقولٍ أقوى منه، ووجدناه من المجهول لا من المعقول، بل وجدنا المعقول الصريح يدلُّ على بطلان المعارض للمنقول الصحيح. {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}[الأحزاب/ ٤].
وهذه جملة يُبيِّنها التفصيلُ، إذ السؤال أيضًا مجملٌ، وقد فصَّلنا الجوابَ أكثر من تفصيل السؤال، وهذا يظهر بذكرِ فصلٍ جليلِ القدر عظيمٍ في تصديقِ المرسلين ورعاية حق المؤمنين.
وذلك أنه ما زال في الأمة قديمًا وحديثًا من يَظهرُ له من آيةٍ أو حديثٍ معنًى، ويَعتقد أن ذلك المعنى باطلٌ، إما لمعارضته لما يرى أنه علمه، أو لمجرد عقله للأمور الموجودة، أو لما يرى أنه علمه لما عقله من كتاب الله، فيحتاج عند ذلك إمّا إلى ردّ الخبر، وإما إلى تأويله وردّه بأن يقول: غلِطَ سمْعُ الراوي، أو لم يَفهم معناه، أو لم يحفظْ ما فهمه، أو أنه تعمد الكذب، فإن الخبر لا يأتيه البطلان إلّا من تعمد المخبر أو خطئه، وخطؤه إما في نفس ما سمعه من اللفظ، فقد يَغلَطُ السمعُ، وقد يسمع البعضَ دون البعض، وإما أنه لم يفهم المعنى ورواه بالمعنى الذي فهمه بلفظٍ آخر، أو باللفظ الأول مع قرائن تفيد غير المعنى الأول، أو